(سَمِعْتُ مُحَمَّداً -صلى الله عليه وسلم-، يَقُولُ:"مَنْ صَوَّرَ صُورَةً) أي صورة ذي روح، بدليل ما سيأتي منْ قوله، كما فِي رواية مسلم: "إن كنت لابدّ فاعلاً، فاصنع الشجر، وما لا نفس له" (فِي الدُّنْيَا) قَالَ فِي "الفتح": كذا أطلقه، وظاهره التعميم، فيتناول صورة ما لا روح فيه، لكن الذي فَهِم ابن عبّاس منْ بقية الْحَدِيث التخصيصُ بصورة ذوات الأرواح منْ قوله: "كُلّف أن ينفخ فيها الروح"، فاستثنى ما لا روح فيه، كالشجر (كُلِّفَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنْ يَنْفُخَ فِيهَا الرُّوحَ) وفي رواية سعيد بن أبي الحسن عند البخاريّ: "فإن الله يعذبه، حَتَّى ينفخ فيها الروح، وليس بنافخ فيها أبدا"، واستعمال "حَتَّى" هنا نظير استعمالها فِي قوله تعالى: {حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ} الآية [الأعراف: ٤٠]، وكذا قولهم: لا أفعل كذا حَتَّى يشيب الغراب.
قَالَ الكرماني رحمه الله تعالى: ظاهره أنه منْ تكليف ما لا يطاق، وليس كذلك، وإنما القصد طول تعذيبه، وإظهار عجزه عما كَانَ تعاطاه، ومبالغة فِي توبيخه، وبيان قبح فعله.
وقوله: (وَلَيْسَ بِنَافِخِهِ") أي لا يمكنه ذلك، فيكون معذبا دائما، وفي حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما:"أنه يقال للمصورين: أحيوا ما خلقتم"، وأنه أمر تعجيز.
[وَقَدْ استُشكل]: هَذَا الوعيد فِي حق المسلم، فإن وعيد القاتل عمدا ينقطع عند أهل السنة مع ورود تخليده، بحمل التخليد عَلَى مدة مديدة، وهذا الوعيد أشد منه؛ لأنه مغيا بما لا يمكن، وهو نفخ الروح، فلا يصح أن يُحمل عَلَى أن المراد أنه يعذب زمانا طويلا، ثم يتخلص.
[والجواب]: أنه يتعين تأويل الْحَدِيث عَلَى أن المراد به الزجر الشديد، بالوعيد بعقاب الكافر؛ ليكون أبلغ فِي الارتداع، وظاهره غير مراد، وهذا فِي حق العاصي بذلك، وأما منْ فعله مُسْتَحِلاً، فلا إشكال فيه. قاله فِي "الفتح" ١١/ ٥٩٥ - ٥٩٦. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسائل تتعلّق بهذا الْحَدِيث:
(المسألة الأولى): فِي درجته:
حديث ابن عبّاس رضي الله تعالى عنهما هَذَا متّفقٌ عليه.