امتنع ذلك فِي مثل تصوير الشمس والقمر، ويتأكد المنع بما عُبد منْ دون الله، فإنه يضاهي صورة الأصنام التي هي الأصل، فِي منع التصوير، وَقَدْ قيد مجاهد صاحب ابن عبّاس جواز تصوير الشجر بما لا يثمر، وأما ما يثمر فألحقه بما له روح.
قَالَ القاضي عياض: لم يقله أحد غير مجاهد، ورده الطحاوي بأن الصورة لما أبيحت بعد قطع رأسها، التي لو قطعت منْ ذي الروح لما عاش، دل ذلك عَلَى إباحة ما لا روح له أصلا.
قَالَ الحافظ: وقضيته أن تجويز تصوير ما له روح بجميع أعضائه إلا الرأس فيه نظر لا يخفى، وأظن مجاهدا سمع حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-، ففيه:"فليخلقوا ذَرَّةً، وليخلقوا شعيرةً"، فإن فِي ذكر الذرة إشارة إلى ما له روح، وفي ذكر الشعيرة إشارة إلى ما يَنبُت مما يؤكل، وأما ما لا روح فيه، ولا يثمر فلا تقع الإشارة إليه، ويقابل هَذَا التشديد ما حكاه أبو محمد الجويني، أن نسج الصورة فِي الثوب لا يمتنع؛ لأنه قد يُلبَس، وطرده المتولي فِي التصوير عَلَى الأرض، ونحوها، وصحح النوويّ تحريم جميع ذلك، قَالَ النوويّ: ويُستثنى منْ جواز تصوير ما له ظل، ومن اتخاذه لُعَب البنات؛ لما ورد منْ الرخصة فِي ذلك. ذكره فِي "الفتح" ١١/ ٥٩٦ - ٥٩٧.
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: استثناء اتخاذ لُعب البنات محلّ نظر، فإن النصّ جاء بترخيص استعمالها، لا باتّخاذها، فتأمّل الفرق بينهما. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: رجال هَذَا الإسناد كلهم رجال الصحيح، وتقدّموا غير مرّة. و"حمّاد": هو ابن زيد. و"أيوب": هو السختيانيّ. و"عكرمة": هو مولى ابن عبّاس.
وقوله:"عُذّب حَتَّى ينفخ الخ": قَالَ السنديّ رحمه الله تعالى: قد جعل غاية عذابه نفخ الروح، وأخبر أنه ليس بنافخ، فيلزم أن يكون معذّباً دائمًا، وهذا فِي حقّ منْ كفر بالتصوير، بأن يصوّر مستحلاً، أو لِتُعبد، أو يكون كافرًا فِي الأصل، وأما غيره، وهو العاصي بفعل ذلك، غير مستحلّ له، ولا قاصد أن تُعبد، فيُعذّبُ إن لم يعف الله تعالى عنه عذابًا يستحقّه، ثم يخلص منه، أو المراد به الزجر، والتشديد، والتغليظ؛ ليكون أبلغ فِي الارتداع، وظاهره غير مراد. انتهى.