قال القرطبي: وظاهر هذا القول أن الوضوء لكل صلاة قبل ورود الناسخ كان مستحبا لا إيجابا، وليس كذلك، فإن الأمر إذا ورد مقتضاه الوجوب، لا سيما عند الصحابة رضوان الله عليهم على ما هو معروف من سيرتهم.
وقال آخرون: إن الفرض في كل وضوء كان لكل صلاة ثم نسخ في فتح مكة.
وهذا غلط لحديث أنس قال:"كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يتوضأ لكل صلاة" وأن أمته كانت على خلاف ذلك. وسيأتي.
ولحديث سويد بن النعمان أن النبي - صلى الله عليه وسلم - صلى وهو بالصَّهبَاء العصرَ والمغربَ بوضوء واحد، وذلك في غزوة خيبر، وهي سنة ست، وقيل: سنة سبع، وفتح مكة كان في سنة ثمان، وهو حديث صحيح رواه مالك في موطئه. وأخرجه البخاري ومسلم.
فبان بهذين الحديثين أن الفرض لم يكن قبل الفتح لكل صلاة.
فإن قيل: فقد روى مسلم عن بريدة بن الحصيب أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - كان يتوضأ لكل صلاة، فلما كان يوم الفتح صلى الصلوات بوضوء واحد، ومسح على خفيه، فقال عمر رضي الله عنه: لقد صنعت اليوم شيئًا لم تكن تصنعه، فقال:"عمدا صنعته يا عمر" فلم سأله عمر واستفهمه؟ قيل: إنما سأله لمخالفته عادته منذ صلاته بخيبر.
قال الجامع: والذي قاله غيره: إن عمر إنما سأله عما يعلمه من حاله، فإنه لم يكن يعرف قبل هذا منه إلا الوضوء لكل صلاة. والله أعلم.