وتكفينه، وَقَدْ نُقل عن أحمد رحمه الله تعالى ما يدلّ عَلَى أنه لا يتعين عليه، فإنه سئل هل يأثم القاضي إذا لم يوجد غيره؟ قَالَ: لا يأثم, فهذا يحتمل أنه يحمل عَلَى ظاهره فِي أنه لا يجب عليه؛ لما فيه منْ الخطر بنفسه، فلا يلزمه الإضرار بنفسه لنفع غيره، ولذلك امتنع أبو قلابة منه، وَقَدْ قيل له: ليس غيرك، ويحتمل أن يُحمَل عَلَى منْ لم يمكنه القيام بالواجب لظلم السلطان أو غيره، فإن أحمد قَالَ: لابد للناس منْ حاكم، أتذهب حقوق النَّاس؟. ذكره فِي "المغني" ١٤/ ٧ - ٩. وهو بحث نفيس جدًّا والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الرابعة): قَالَ الموفّق رحمه الله تعالى: يجوز للقاضي أخذ الرزق عَلَى القضاء، ورخص فيه شُريح، وابن سيرين، والشافعي، وأكثر أهل العلم، ورُوي عن عمر رضي الله عنه أنه استعمل زيد بن ثابت عَلَى القضاء، وفرض له رزقا، ورَزَق شريحا فِي كل شهر مائة درهم، وبعث إلى الكوفة عمارا، وعثمان بن حنيف، وابن مسعود، ورزقهم كل يوم شاة، نصفها لعمار، ونصفها لابن مسعود وعثمان، وكان ابن مسعود قاضيهم، ومعلمهم، وكتب إلى معاذ بن جبل، وأبي عبيدة حين بعثهما إلى الشام، أن انظرا رجالا منْ صالحي مَن قِبَلكم، فاستعملوهم عَلَى القضاء، وأوسعوا عليهم، وارزقوهم واكفوهم منْ مال الله.
وَقَالَ أبو الخطاب: يجوز له أخذ الرزق مع الحاجة، فأما مع عدمها فعلى وجهين، وَقَالَ أحمد: ما يعجبني أن يأخذ عَلَى القضاء أجرًا، وإن كَانَ فبقدر شغله، مثل ولي اليتيم، وكان ابن مسعود والحسن يكرهان الأجر عَلَى القضاء، وكان مسروق، وعبد الرحمن بن القاسم بن عبد الرحمن لا يأخذان عليه أجرًا، وقالا: لا نأخذ أجرا عَلَى أن نعدل بين اثنين.
وَقَالَ أصحاب الشافعيّ: إن لم يكن متعينا جاز له أخذ الرزق عليه، وإن تعين لم يجز إلا مع الحاجة، قَالَ ابن قُدامة: والصحيح جواز أخذ الرزق عليه بكل حال, لأن أبا بكر رضي الله عنه لَمّا ولي الخلافة، فرضوا له الرزق كل يوم درهمين، ولما ذكرناه منْ أن عمر رزق زيدا وشريحا وابن مسعود، وأمر بفرض الرزق لمن تولى منْ القضاة، ولأن بالناس حاجة إليه، ولو لم يجز فرض الرزق لتعطل، وضاعت الحقوق، فأما الإستئجار عليه فلا يجوز، قَالَ عمر رضي الله عنه: لا ينبغي لقاضي المسلمين أن يأخذ عَلَى القضاء أجرًا، وهذا مذهب الشافعيّ، ولا نعلم فيه خلافًا، وذلك لأنه قربة يختص فاعله أن يكون منْ أهل القرية، فأشبه الصلاة، ولأنه لا يعمله الإنسان عن غيره، وإنما يقع عن نفسه، فأشبه الصلاة، ولأنه عمل غير معلوم، فإن لم يكن للقاضي رزق، فَقَالَ