للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

العدل، وذكر ابن عبد البرّ، أن بعض الرواة عن مالك، رواه بلفظ: "العدل"، قَالَ: وهو أبلغ؛ لأنه جعل المسمى نفسه عدلا، والمراد به صاحب الولاية العظمى، وَيلتحق به كل منْ وَلِيَ شيئا منْ أمور المسلمين، فعدل فيه، ويؤيده رواية مسلم، منْ حديث عبد الله بن عمرو، رفعه: "إن المقسطين عند الله عَلَى منابر، منْ نور عن يمين الرحمن، الذين يعدلون فِي حكمهم، وأهليهم، وما وَلُوا"، وأحسن ما فُسَّر به العادل: أنه الذي يَتَّبع أمر الله بوضع كل شيء فِي موضعه، منْ غير إفراط، ولا تفريط، وقدمه فِي الذكر؛ لعموم النفع به.

(وَ) الثاني (شَابٌّ) خَصَّ الشاب؛ لكونه مظنة غلبة الشهوة؛ لما فيه منْ قوة الباعث عَلَى متابعة الهوى، فإن ملازمة العبادة، مع ذلك أشدُّ، وأدل عَلَى غلبة التقوى (نَشَأَ) أي نبت، وابتدأ، أي لم يكن له صبوة، وهو الذي قَالَ فيه فِي الْحَدِيث الآخر: "يعجب ربّك منْ صبيّ، ليست له صَبْوة" (١)، رواه أحمد ٤/ ١٥١ وإنما كَانَ ذلك لغلبة التقوى التي بسببها ارتفعت الصبوة. انتهى "المفهم" ٣/ ٧٥. (فِي عِبَادَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ) ولفظ البخاريّ: "فِي عبادة ربه"، وفي رواية الإِمام أحمد، عن يحيى القطّان: "بعبادة الله"، وهي رواية مسلم، وهما بمعنى، زاد حماد بن زيد، عن عبيد الله بن عمر: "حَتَّى توفي عَلَى ذلك"، أخرجه الجوزقي، وفي حديث سلمان -رضي الله عنه-: "أفنى شبابه، ونشاطه فِي عبادة الله".

(وَ) الثالث (رَجُلٌ ذَكَرَ اللَّهَ) أي بقلبه منْ التذكر، أو بلسانه منْ الذكر (فِي خَلَاءٍ) بفتح الخاء المعجمة، والمدّ: المكان الخالي. ولفظ البخاريّ: "ورجلٌ ذكر الله خاليًا"، قَالَ فِي "المفهم": يعني خاليًا منْ الخلق. وَقَالَ فِي "الفتح": خاليا: أي منْ الخلق؛ لأنه يكون حينئذ أبعد منْ الرياء، والمراد خاليا منْ الالتفات إلى غير الله تعالى، ولو كَانَ فِي ملأ، ويؤيّده رواية البيهقيّ: "ذكر الله بين يديه"، ويؤيّد الأول رواية ابن المبارك (٢)، وحماد بن زيد: "ذكر الله فِي خلأ": أي فِي موضع خال، وهي أصحّ. انتهى.

(فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ) أي فاضت الدموع منْ عينيه، وأسند الفيض إلى العين مبالغةً، كأنها هي التي فاضت، قَالَ القرطبيّ: وفيض العين بكاؤها وهو عَلَى حَسَب حال الذاكر، وبحسب ما يكشف له، منْ أوصافه تعالى، فإن انكشف له غضبه، فبكاَؤه عن خوف، وإن انكشف له جماله وجلاله، فبكاؤه عن محبّة وشوق، وهكذا يتلوّن بتلوّن ما يذكر منْ الأسماء والصفات. انتهى "المفهم" ٣/ ٧٧.


(١) رواه أحمد فِي "مسنده" ٤/ ١٥١ وفي إسناد ابن لهيعة، وهو ضعيف.
(٢) رواية ابن المبارك هي التي ساقها المصنّف هنا.