للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قَالَ الحافظ: قد خص فِي بعض الروايات بالأول، ففي رواية حماد بن زيد عند الجوزقي: "ففاضت عيناه منْ خشية الله"، ونحوه فِي رواية البيهقي، ويشهد له ما رواه الحاكم منْ حديث أنس -رضي الله عنه-، مرفوعا: "منْ ذكر الله، ففاضت عيناه منْ خشية الله، حَتَّى يصيب الأرض منْ دموعه، لم يعذب يوم القيامة".

(وَ) الرابع (رَجُلٌ كَانَ قَلْبُهُ مُعَلَّقًا فِي الْمَسْجِدِ) أي يحبّ الكون فيها للصلاة، والذكر، وقراءة القرآن، وهذا إنما يكون ممن استغرقه حبّ الصلاة، والمحافظة عليها، وشُغِف بها. قاله فِي "المفهم" ٣/ ٧٦.

ولفظ "الصحيحين": "ورجلٌ قلبه مُعَلَّق فِي المساجد"، قَالَ فِي "الفتح": وظاهره أنه منْ التعليق، كأنه شبهه بالشيء المعلق فِي المسجد، كالقنديل مثلا؛ إشارة إلى طول الملازمة بقلبه، وإن كَانَ جسده خارجا عنه، ويدل عليه رواية الجوزقي: "كأنما قلبه معلق فِي المسجد"، ويحتمل أن يكون منْ العَلاقة، وهي شدة الحب، ويدل عليه رواية أحمد: "معلق بالمساجد"، وكذا رواية سلمان: "منْ حبها"، ولفظ الحموي والمستملي: "مُتَعَلِّق" بزيادة مثناة بعد الميم، وكسر اللام، زاد سلمان "منْ حبها"، وزاد مالك "إذا خرج منه حَتَّى يعِود إليه".

(وَ) الخامس (رَجُلَانِ تَحَابَّا) بتشديد الباء، وأصله تحاببا: أي اشتركا فِي جنس المحبّة، وأحب كل منهما الآخر حقيقة، لا إظهارا فقط، ووقع فِي رواية حماد بن زيد: "ورجلان قَالَ كل منهما للآخر: إني أحبك فِي الله، فصدرا عَلَى ذلك"، ونحوه فِي حديث سلمان.

(فِي اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ) أي لأجل الله عز وجل، لا لغرض دنيويّ، وكلمة "فِي" سببيّة.

زاد فِي رواية الشيخين: "اجتمعا عَلَى ذلك، وتفرقا عليه"، فِي رواية لمسلم: "اجتمعا عليه": أي عَلَى الحب المذكور، والمراد أنهما داما عَلَى المحبّة الدينية، ولم يقطعاها بعارض دنيوى، سواء اجتمعا حقيقة، أم لا، حَتَّى فرق بينهما الموت. قاله فِي "الفتح". وَقَالَ القرطبيّ: أي داما عَلَى المحبّة الصادقة الدينيّة المبرّأة عن الأغراض الدنيويّة، ولم يقطعاها بعارض فِي حال اجتماعهما, ولا حال افتراقهما. انتهى.

ووقع فِي الجمع للحميدى: "اجتمعا عَلَى خير"، قَالَ الحافظ: ولم أر ذلك فِي شيء منْ نسخ "الصحيحين"، ولا غيرهما منْ "المستخرجات"، وهي عندي تحريف.

[تنبيه]: عُدّت هذه الخصلة واحدة، مع أن متعاطيها اثنان؛ لأن المحبّة لا تتم إلا باثنين، أو لما كَانَ المتحابان بمعنى واحد، كَانَ عد أحدهما مغنيا عن عد الآخر؛ لأن الغرض عد الخصال، لا عد جميع منْ اتصف بها.