قَالَ النوويّ رحمه الله تعالى فِي "شرح مسلم" ١٢/ ١٤: اختلف العلماء فِي أن كل مجتهد مصيب أم المصيب واحد؟ وهو منْ وافق الحكم الذي عند الله تعالى، والآخر مخطىء، لا إثم عليه؛ لعذره، والأصح عند الشافعيّ وأصحابه أن المصيب واحد، وَقَدْ احتجت الطائفتان بهذا الْحَدِيث، أما الأولون القائلون كل مجتهد مصيب، فقالوا: قد جُعِل للمجتهد أجرٌ، فلولا إصابته لم يكن له أجر، وأما الآخرون، فقالوا سماه مخطئا، ولو كَانَ مصيبا لم يسمه مخطئا، وأما الأجر فإنه حصل له عَلَى تعبه فِي الاجتهاد، قَالَ الأولون: إنما سماه مخطئا؛ لأنه محمول عَلَى منْ أخطأ النص، أو اجتهد فيما لا يسوغ فيه الاجتهاد، كالمجمع عليه وغيره، وهذا الاختلاف إنما هو فِي الاجتهاد فِي الفروع، فأما أصول التوحيد فالمصيب فيها واحد، بإجماع منْ يُعْتَدّ به، ولم يخالف إلا عبد الله ابن الحسن العنبريّ، وداود الظاهري، فصوبا المجتهدين فِي ذلك أيضًا، قَالَ العلماء: الظاهر أنهما أراد المجتهدين منْ المسلمين، دون الكفار. والله أعلم. انتهى كلام النوويّ رحمه الله تعالى.
وَقَالَ أبو بكر بن العربي رحمه الله تعالى: تعلق بهذا الْحَدِيث منْ قَالَ: إن الحق فِي جهة واحدة؛ للتصريح بتخطئة واحد لا بعينه، قَالَ: وهي نازلة فِي الخلاف عظيمة. وَقَالَ المازري رحمه الله تعالى: تمسك به كل منْ الطائفتين: منْ قَالَ: إن الحق فِي طرفين، ومن قَالَ: إن كل مجتهد مصيب، أما الأولى: فلأنه لو كَانَ كل مصيبا، لم يطلق عَلَى أحدهما الخطأ؛ لاستحالة النقيضين فِي حالة واحدة، وأما المصوبة، فاحتجوا بأنه -صلى الله عليه وسلم-، جعل له أجرًا، فلو كَانَ لم يصب لم يؤجر، وأجابوا عن إطلاق الخطإ فِي الخبر عَلَى مَن ذَهِل عن النص، أو اجتهد فيما لا يسوغ الاجتهاد فيه، منْ القطعيات فيما خالف الإجماع، فإن مثل هَذَا إن اتفق له الخطأ فيه فُسخ حكمه وفتواه، ولو اجتهد بالإجماع، وهو الذي يصح عليه إطلاق الخطأ، وأما منْ اجتهد فِي قضية، ليس فيها نص، ولا إجماع، فلا يطلق عليه الخطأ، وأطال المازري فِي تقرير ذلك، والانتصار له، وختم كلامه بأن قَالَ: إن منْ قَالَ: إن الحق فِي طرفين، هو قول أكثر أهل التحقيق، منْ الفقهاء، والمتكلمين، وهو مروي عن الأئمة الأربعة، وإن حُكي عن كل منهم اختلاف فيه.
قَالَ الحافظ رحمه الله تعالى: والمعروف عن الشافعيّ رحمه الله تعالى الأول. انتهى "فتح" ١٥/ ٢٥٩.
وإلى هذه المسألة أشار السيوطيّ رحمه الله تعالى فِي "الكوكب الساطع"، حيث قَالَ: