للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

لو اجتهد بدراسة النصوص منْ الكتاب والسنة، مراعيًا ما يُراعيه فِي دراسة نصوص إمامه كما ذكره النوويّ فِي كلامه السابق، باذلاً جهده كلّ البذل، لاستطاع أن يستنبط الأحكام منها، بل الآيات القرآنيّة، والأحاديث النبويّة أسهل عَلَى مثله بكثير منْ كلام الأئمة، وهذا لا يُنكره إلا مقلّد جامد، أو متعصّب معاند.

والحاصل أن هذه المزاعم مجرّد خيال، لا رَوَاج لها فِي سوق التحقيق، بل هي آراء متناقضة، ينقض بعضها بعضًا، كما أشرنا إليه آنفًا، وعوائق صادّة عن إعمال ما آتى الله تعالى بعض عباده منْ الفهم، والعلم فِي استنباط الأحكام منْ كتاب الله سبحانه وتعالى، ومن سنة نبيه -صلى الله عليه وسلم-، وصرف لهمته إلى الاشتغال برأي فلان، وفلان، وتزهيد لكثير ممن له قريحة صافية، وهمّة عالية عن الانتفاع بنصوص الكتاب والسنة.

وبالجملة فالعلم مواهب منْ الله تعالى، ولا تقف مواهبه سبحانه وتعالى عند أحد، ولا يحدّها زمان، ولا يقيّدها مكان، {يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ} [البقرة: ٢٦٩] {وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} [البقرة: ١٠٥]. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة السابعة): فِي بيان الاختلاف، هل يجوز خلوّ العصر عن المجتهدين، أم لا؟، وهي مكمّلة للبحث المذكور فِي المسألة السابقة:

ولقد أجاد الشوكانيّ رحمه الله تعالى فِي كتابه "إرشاد الفحول" حيث نقل أقوال العلماء فِي ذلك، مع المناقشة لها، فَقَالَ:

ذهب جمع إلى أنه لا يجوز خلوّ الزمان عن مجتهد، قائم بحجج الله، يبيّن للناس ما نُزّل إليهم، قَالَ بعضهم: ولابدّ أن يكون فِي كلّ قطر منْ يقوم به الكفاية؛ لأن الاجتهاد منْ فروض الكفايات. قَالَ ابن الصلاح: الذي رأيته فِي كلام الأئمة يُشعر بأنه لا يتأتّى فرض الكفاية بالمجتهد المقيّد، قَالَ: والظاهر أنه لا يتأتّى فِي الفتوى. وَقَالَ بعضهم: الاجتهاد فِي حقّ العلماء عَلَى ثلاثة أضرب: فرض عين، وفرض كفاية، وندب: فالأول: عَلَى حالين: اجتهاد فِي حقّ نفسه عند نزول الحادثة. والثاني: اجتهاد فيما تعيّن عليه الحكم فيه، فان ضاق فرض الحادثة كَانَ عَلَى الفور، وإلا كَانَ عَلَى التراخي. والثاني: عَلَى حالين: أحدهما: إذا نزلت بالمستفتي حادثة، فاستفتى أحد العلماء، توجّه الفرض عَلَى جميعهم، وأخصّهم بمعرفتها منْ خُصّ بالسؤال عنها، فإن أجاب هو أو غيره سقط الفرض، وإلا أثموا جميعًا. والثاني: أن يتردّد الحكم بين قاضيين مشتركين فِي النظر، فيكون فرض الاجتهاد مشتركًا بينهما، فأيهما تفرّد بالحكم فيه سقط فرضه