قصّة أخرى منْ آخر، فأخرج الشافعيّ منْ رواية محمد بن إبراهيم التيميّ إلى أُسيد بن حُضير:"طلب منْ النبيّ -صلى الله عليه وسلم- لأهل بيتين منْ الأنصار، فأمر لكلّ بيت بوسق منْ تمر، وشطر منْ شعير، فَقَالَ أُسيد: يا رسول الله، جزاك الله عنّا خيرًا، فَقَالَ: "وأنتم فجزاكم الله خير، يا معشر الأنصار، وإنكم لأعفّةٌ صُبْرٌ، وإنكم ستلقون بعدي أثرةً … " الْحَدِيث، وقوله: "إنكم لأعِفّة صُبْرٌ"، أخرجه الترمذيّ، والحاكم منْ وجه آخر، عن أنس، عن أبي طلحة، وسنده ضعيف. قاله فِي "الفتح" ٧/ ٤٩٣ "كتاب مناقب الأنصار" (أَنَّ رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ) قَالَ الحافظ: لم أقف عَلَى اسمه، زاد مسلم فِي روايته: "فخلا برسول الله -صلى الله عليه وسلم-" (جَاءَ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-, فَقَالَ: أَلَا تَسْتَعْمِلُنِي) أي تجعلني عاملاً عَلَى الصدقة، أو عَلَى بلد (كَمَا اسْتَعْمَلْتَ فُلَانًا) قَالَ الحافظ: لم أقف عَلَى اسمه، لكن ذكرت فِي "المقدّمة" أن السائل أُسيد بن حُضير، والمستعمل عمرو بن العاص، ولا أدري الآن منْ أين نقلته. انتهى "فتح" ٧/ ٤٩٢ - ٤٩٣ رقم ٣٧٩٢. (قَالَ: إِنَّكُمْ سَتَلْقَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً) بفتح الهمزة، والمثلّثة، أو بضمّ الهمزة، وسكون المثلّثة، وأشار بذلك إلى أن الأمر يصير فِي غيرهم، فيختصّون دونهم بالأموال، وكان الأمر كما وصف -صلى الله عليه وسلم-، وهو معدود فيما أخبر به منْ الأمور الآتية، فوقع كما قَالَ (فَاصْبِرُوا حَتَّى تَلْقَوْني عَلَى الْحَوْضِ) أي حوض النبيّ -صلى الله عليه وسلم- يوم القيامة، والسرّ فِي جوابه -صلى الله عليه وسلم- عن طلب الرجل الولاية بقوله: "ستلقون بعدي أثرة الخ" إرادة نفي ظنّه أنه آثر الذي ولّاه عليه، فبيّن له أن ذلك لا يقع فِي زمانه، وأنه لم يخصّه بذلك لذاته، بل لعموم مصلحة المسلمين، وأن الاستئثار للحظّ الدنيويّ إنما يقع بعده، وأمرهم عند وقوع ذلك بالصبر. قاله فِي "الفتح" ١٤/ ٤٩٨ "كتاب الفتن" رقم ٧٠٥٧.
وَقَالَ السنديّ: قوله: "إنكم سلقون بعدي أثرة": أي إن الأمراء بعدُ يفضّلون عليكم غيركم، يُريد: أنك ظننت هَذَا القدر أثرة، وليس كذلك، ولكن الأثرة ما يكون بعدي، والمطلوب فيه منكم الصبر، فكيف تصبر إذا لم تقدر أن تصبر عَلَى هَذَا القدر، فعليك بالصبر به حَتَّى تقدر عَلَى الصبر فيما بعدُ، والحاصل أنه رآه مستعجلاً، فأرشده إلى الصبر عَلَى الإطلاق بألطف وجه. انتهى. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسائل تتعلّق بهذا الْحَدِيث:
(المسألة الأولى): فِي درجته:
حديث أُسيد بن حُضَير -رضي الله عنه- هَذَا متّفقٌ عليه.
(المسألة الثانية): فِي بيان مواضع ذكر المصنّف له، وفيمن أخرجه معه: