للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

سوى الله بين جميعهم فِي الحكم عليهم فِي التوراة، {فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة: ٤٤]، يقول: هؤلاء الذين لم يحكموا بما أنزل الله فِي كتابه، ولكن بدلوا وغيروا حكمه، وكتموا الحق الذي أنزله فِي كتابه، {هُمُ الْكَافِرُونَ}، يقول: هم الذين ستروا الحق الذي كَانَ عليهم كشفُهُ وتبيينه وغطوه عن النَّاس، وأظهروا لهم غيره، وقضوا به لسحت أخذوه منهم عليه. انتهى (١).

وسيأتي مزيد بسط فِي اختلاف العلماء فِي معنى الآية فِي المسألة الثانية، إن شاء الله تعالى. والله تعالى أعلم بالصواب.

٥٤٠٢ - (أَخْبَرَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ حُرَيْثٍ، قَالَ: أَنْبَأَنَا (٢) الْفَضْلُ بْنُ مُوسَى، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: كَانَتْ مُلُوكٌ بَعْدَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، بَدَّلُوا التَّوْرَاةَ وَالإِنْجِيلَ، وَكَانَ فِيهِمْ مُؤْمِنُونَ، يَقْرَءُونَ التَّوْرَاةَ، قِيلَ لِمُلُوكِهِمْ: مَا نَجِدُ شَتْمًا أَشَدَّ مِنْ شَتْمٍ يَشْتِمُونَّا هَؤُلَاءِ، إِنَّهُمْ يَقْرَءُونَ: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة: ٤٤]، وَهَؤُلَاءِ الآيَاتِ، مَعَ مَا يَعِيبُونَّا بِهِ فِي أَعْمَالِنَا فِي قِرَاءَتِهِمْ، فَادْعُهُمْ فَلْيَقْرَءُوا كَمَا نَقْرَأُ، وَلْيُؤْمِنُوا كَمَا آمَنَّا، فَدَعَاهُمْ، فَجَمَعَهُمْ، وَعَرَضَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلَ، أَوْ يَتْرُكُوا قِرَاءَةَ التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ، إِلاَّ مَا بَدَّلُوا مِنْهَا، فَقَالُوا: مَا تُرِيدُونَ إِلَى ذَلِكَ، دَعُونَا، فَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمُ: ابْنُوا لَنَا أُسْطُوَانَةً، ثُمَّ ارْفَعُونَا إِلَيْهَا، ثُمَّ اعْطُونَا شَيْئًا، نَرْفَعُ بِهِ طَعَامَنَا وَشَرَابَنَا، فَلَا نَرِدُ عَلَيْكُمْ، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ: دَعُونَا نَسِيحُ فِي الأَرْضِ، وَنَهِيمُ، وَنَشْرَبُ كَمَا يَشْرَبُ الْوَحْشُ، فَإِنْ قَدَرْتُمْ عَلَيْنَا فِي أَرْضِكُمْ فَاقْتُلُونَا، وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمُ: ابْنُوا لَنَا دُورًا فِي الْفَيَافِي، وَنَحْتَفِرُ الآبَارَ، وَنَحْتَرِثُ الْبُقُولَ، فَلَا نَرِدُ عَلَيْكُمْ، وَلَا نَمُرُّ بِكُمْ، وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنَ الْقَبَائِلِ، إِلاَّ وَلَهُ حَمِيمٌ فِيهِمْ، قَالَ: فَفَعَلُوا ذَلِكَ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلاَّ ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا} [الحديد: ٢٧]، وَالآخَرُونَ قَالُوا: نَتَعَبَّدُ كَمَا تَعَبَّدَ فُلَانٌ، وَنَسِيحُ كَمَا سَاحَ فُلَانٌ، وَنَتَّخِذُ دُورًا كَمَا اتَّخَذَ فُلَانٌ، وَهُمْ عَلَى شِرْكِهِمْ، لَا عِلْمَ لَهُمْ بِإِيمَانِ الَّذِينَ اقْتَدَوْا بِهِ، فَلَمَّا بَعَثَ اللَّهُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم-، وَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ، انْحَطَّ رَجُلٌ مِنْ صَوْمَعَتِهِ، وَجَاءَ سَائِحٌ مِنْ سِيَاحَتِهِ، وَصَاحِبُ الدَّيْرِ مِنْ دَيْرِهِ، فَآمَنُوا بِهِ، وَصَدَّقُوهُ، فَقَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ} [الحديد: ٢٨]: أَجْرَيْنِ: بِإِيمَانِهِمْ بِعِيسَى وَبِالتَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ، وَبِإِيمَانِهِمْ بِمُحَمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم- وَتَصْدِيقِهِمْ، قَالَ: {يَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ}


(١) "تفسير ابن جرير" ١٠/ ٢٤٥.
(٢) وفي نسخة: "أخبرنا".