استفهاميّة: أي أيّ شيء تريدون، مائلين إلى ما تقولون، ويحتمل أن تكون "إلى" بمعنى "منْ": أي أَيَّ شي تريدون مما ذكرتم، والمراد أنكم لا تستفدون منْ الذي طلبتوه لنا، فإننا نبتعد منكم، ولا ينالكم منا أذى فـ (دَعُونَا) أي اتركونا عَلَى ما نحن عليه، ثم تفرّقوا فِي كيفية الانفصال، والابتعاد عنهم (فَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمُ) أي منْ المؤمنين (ابْنُوا لَنَا أُسْطُوَانَةً) قَالَ الفيّوميّ: الأسطوانة بضم الهمزة والطاء: السارية، والنون عند الخليل أصل، فوزنها أُفْعُوالة، وعند بعضهم زائدة، والواو أصلٌ، فوزنها أُفْعُلانة، والجمع أساطين، وأُسْطُوانات عَلَى لفظ الواحد، والمراد به هنا أن يُبنى لهم مكان مرتفِع منْ الأرض يسكنونه، ويعتزلون فيه، ولا يختلطون بالناس (ثُمَّ ارْفَعُونَا إِلَيْهَا، ثُمَّ أَعْطُونَا شَيْئًا، نَرْفَعُ بِهِ طَعَامَنَا وَشَرَابَنَا، فَلَا نَرِدُ عَلَيْكُمْ) منْ الورود، أي حتّى تروا قراءتنا شتمًا لكم (وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ: دَعُونَا نَسِيحُ) بفتح أوله، منْ السياحة، منْ باب باع: أي نسير (فِي الأَرْضِ، وَنَهِيمُ) بفتح أوله بوزن ما قبله، يقال: هام فِي وجهه يَهيم: خرج عَلَى وجهه لا يدري أين يتوجّه، فهو هائمٌ إن سلك طريقًا مسلوكًا، فإن سلك طريقًا غير مسلوك، فهو راكبُ التعاسيف. قاله فِي "المصباح"(وَنَشْرَبُ كَمَا يَشْرَبُ الْوَحْشُ) أي منْ البحار، والأنهار والسيول (فَإنْ قَدَرْتُمْ عَلَيْنَا فِي أَرْضِكُمْ فَاقْتُلُونَا) مشارطة لهم عَلَى أنهم إن خالفوا ما ذكروا، وجاءوا إليهم، فقد نقضوا عهدهم، فلهمِ قتلهم (وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمُ: ابْنُوا لَنَا دُورًا) بالضمّ: جمع دار (فِي الْفَيَافِي) بالفتح: جمع فَيْفٍ بوزن بيت، قَالَ فِي "القاموس": الْفَيْفُ: المكان المستوي، أو المفازة لا ماء فيها، كالفَيْفَاة، والْفَيْفَاء، جمعه أفيافٌ، وفُيُوفٌ، وفَيَافٍ. انتهى (وَنَحْتَفِرُ الآبَارَ، وَنَحْتَرِثُ الْبُقُولَ) هكذا النسخ "ونحتفر" بالواو، فيكون عطفًا عَلَى مقدّر: أي نسكنها، ونحتفر، والاحتفار: افتعال منْ الحفر للمبالغة، والبقول بالضمّ جمع بَقْل بفتح، فسكون: هو كلُّ نبات اخضرّت به الأرض. قاله فِي "المصباح"(فَلَا نَرِدُ عَلَيْكُمْ) منْ الورود: أي لا نجيء إلى أرضكم (وَلَا نَمُرُّ بِكُمْ، وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنَ الْقَبَائِلِ) التي حرّفت الكتابين، وطلبت منْ المؤمنين أن يرتدّوا، أو يقتلوهم (إِلَّا وَلَهُ حَمِيمٌ) بوزن قريب، ومعناه (فِيهِمْ) أي فِي أولئك المؤمنين (قَالَ: فَفَعَلُوا ذَلِكَ) أي ففعل الملك، وأعوانه لهؤلاء المؤمنين ما طلبوا منهم، منْ بناء الأسطوانة، والسياحة فِي الأرض، وبناء الدور فِي الفيافي، ولم يضطرّوهم إلى أن يرتدّوا عن دينهم؛ لأجل كونهم ذوي قرابة فيهم (فَأنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَرَهْبَانِيَّةً}) قَالَ النسفيّ رحمه الله: هي ترهّبهم فِي الجبال، فارّين منْ الفتنة فِي الدين، مخلّصين أنفسهم للعبادة، وهي الفعلة المنسوبة إلى الرَّهْبَان، وهو الخائف، فَعلان، منْ رَهِب، كخشيان منْ خشي، وانتصابها بفعل مضمر يفسّره الظاهر: تقديره: وابتدعوا رهبانيّة