(ابْتَدَعُوهَا) أي أخرجوها منْ عند أنفسهم، ونذروها (مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ) ما فرضنا تلك الرهبانية عليهم. وَقَالَ ابن كثير: أي ما شرعناها، وإنما هم التزموها منْ تلقاء أنفسهم (إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللهِ) استثناء منقطع: أي ولكنهم ابتدعوها ابتغاء رضوان الله. قاله النسفيّ. وَقَالَ الحافظ ابن كثير رحمه الله تعالى: فيه قولان: [أحدهما]: أنهم قصدوا بذلك رضوان الله، قاله سعيد بن جُبير، وقتادة. [والآخر]: ما كتبنا عليهم ذلك، إنما كتبنا عليهم ابتغاء رضوان الله. انتهى (فَمَا رَعوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا) أي فما قاموا بما التزموا حقّ القيام، وهذا ذمّ لهم منْ وجهين:[أحدهما]: الابتداع فِي دين الله ما لم يأمر به الله تعالى. [والثاني]: فِي عدم قيامهم بما التزموه مما زعموا أنه قربة يقرّبهم إلى الله عز وجل. انتهى تفسير ابن كثير ٤/ ٣٣٨ (وَالآخَرُونَ) غير هؤلاء الذين خيرهم الملك بين القِتل والارتداد (قَالُوا: نَتَعبَّدُ كَمَا تَعَبَّدَ فُلَانٌ، وَنَسِيحُ كَمَا سَاحَ فُلَانٌ، وَنَتَّخِذُ دُورًا كَمَا اتَّخَذَ فُلَانٌ) يعنون الذين طلبوا منْ الملك أن يُعفيهم، ويتركهم عَلَى دينهم شريطة أن ينعزلوا منهم (وَهُمْ عَلَى شِرْكِهِمْ) أي وهؤلاء الآخرون لا يزالون عَلَى دينهم منْ الشرك؛ جهلاً منهم، كما بينه بقوله (لَا عِلْمَ لَهُمْ بِإِيمَانِ الَّذِينَ اقْتَدَوْا بِهِ) يعني أنهم اقتدوا بهم فِي مجرّد الانعزال منْ النَّاس، ولزوم الجبال، والفيافي، لا فِي إيمانهم، وعبادتهم (فَلَمَّا بَعَثَ اللَّهُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم-، وَلَمْ يَبْقَ مِنْهُمْ) أي منْ هؤلاء المتعبّدين (إِلاَّ قَلِيلٌ، انْحَطَّ رَجُلٌ مِنْ صَوْمَعَتِهِ) بفتح، فسكون: متعبّد النصار، جمعها صوامع، قَالَ فِي "اللسان": الصومعة منْ البناء سمّيت صومعةً لتلطيف أعلاها، والصومعة: مَنَار الراهب، قَالَ سيبويه: هو منْ الأصمع يعني المحدّد الطرَف المنضمّ. انتهى. وَقَالَ فِي "المصباح": الصّمَعُ: لُصُوق الأذنين، وصِغَرهما، وهو مصدرُ صَمِعت الأذن منْ باب تَعِبَ، وكلُّ منضمّ، فهو متصمِّعٌ، ومن ذلك اشتُقّ صَومعة النصارى. انتهى.
(وَجَاءَ سَائِحٌ مِنْ سِيَاحَتِهِ، وَصَاحِبُ الدَّيْرِ مِنْ دَيْرِهِ)"الدَّيْر" بفتح، فسكون: هو خان النصارى، جمعه أديار. أفاده فِي "القاموس". وَقَالَ فِي "المصباح": الدَّيرُ للنصارى معروفٌ، والجمع دُيُورَةٌ، مثلُ بَعْل وبُعُولة. انتهى (فَآمَنُوا بِهِ) أي بالنبيّ -صلى الله عليه وسلم- (وَصَدَّقُوهُ، فَقَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} الخطاب لأهل الكتاب (اتَّقُوا اللَّهَ، وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ) محمّد -صلى الله عليه وسلم- (يُؤْتِكُمْ) الله تعالى (كِفْلَيْنِ مِنْ رحْمَتِهِ) وقوله: (أَجْرَيْنِ: بِإِيمَانهِمْ بِعِيسَى وَبِالتَّوْرَاةِ وَالإنْجِيلِ، وَبِإِيمَانهِمْ بِمُحمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم- وَتَصْدِيقِهِمْ) تفسير منْ ابن عبّاس رضي الله تعالى عنهما للكفلين (قَالَ: {يَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ}: الْقُرْآنَ، وَاتِّبَاعَهُمُ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم-، قَالَ:{لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ}) متعلّق بمحذوف: أي أعلمكم بذلك، أو فعل بكم ذلك. وَقَالَ الإِمام ابن جرير رحمه الله تعالى فِي "تفسيره" ٢٣/ ٢١٣ - ٢٣٤: