للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

بالخطأ؛ لثبوت الأمر باتباعه فِي جميع أحكامه، حَتَّى قَالَ تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ} الآية [النِّساء: ٦٥]، وبأن الإجماع معصوم منْ الخطأ، فالرسول -صلى الله عليه وسلم- أولى بذلك؛ لعلو رتبته.

[والجواب]: عن الأول: أن الأمر إذا استلزم إيقاع الخطإ، لا محذور فيه؛ لأنه موجود فِي حق المقلدين، فإنهم مأمورن باتباع المفتي والحاكم، ولو جاز عليه الخطأ. [والجواب]: عن الثاني أن الملازمة مردودة، فإن الإجماع إذا فُرض وجوده دلّ عَلَى أن مُستَنَدهم ما جاء عن الرسول -صلى الله عليه وسلم-، فرجع الاتباع إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم-، لا إلى نفس الإجماع، والحديث حجة لمن أثبت أنه قد يحكم بالشيء فِي الظاهر، ويكون الأمر فِي الباطن بخلافه، ولا مانع منْ ذلك، إذ لا يلزم منه محال عقلا, ولا نقلا.

وأجاب منْ منع بأن الْحَدِيث، يتعلّق بالحكومات الواقعة، فِي فصل الخصومات، المبنية عَلَى الإقرار، أو البينة، ولا مانع منْ وقوع ذلك فيها، ومع ذلك فلا يُقَرّ عَلَى الخطإ، وإنما الممتنعة أن يقع فيه الخطأ أن يُخبِر عن أمر بأن الحكم الشرعي فيه كذا، ويكون ذلك ناشئا عن اجتهاده، فإنه لا يكون إلا حقّا؛ لقوله تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} الآية [النجم: ٣].

[وأجيب]: بأن ذلك يستلزم الحكم الشرعي، فيعود الإشكال، كما كَانَ، ومن حجج منْ أجاز ذلك قوله -صلى الله عليه وسلم-: "أمرت أن أقاتل النَّاس حَتَّى يقولوا: لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم"، فيحكم بإسلام منْ تلفظ بالشهادتين، ولو كَانَ فِي نفس الأمر يعتقد خلاف ذلك.

قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: الذي يظهر لي ترجيح القول بثبوت الاجتهاد له -صلى الله عليه وسلم-، لوضوح الأدلة المذكور، ولكنه لا يقرّ عَلَى خطئه، ولا ينافي ذلك قوله تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى} الآية [النجم: ٣]؛ لأن ذلك إذا أخبر عن الله سبحانه وتعالى، لا عن اجتهاداته.

والحكمة فِي ذلك مع أنه كَانَ يمكن اطلاعه -صلى الله عليه وسلم- بالوحي عَلَى كل حكومة، أنه لما كَانَ مُشَرِّعًا، كَانَ يحكم بما شُرع للمكلفين، ويعتمده الحكام بعده، ومن ثَمَّ قَالَ: "إنما أنا بشر": أي فِي الحكم بمثل ما كُلّفوا به.

قَالَ الحافظ: وإلى هذه النكتة أشار البخاريّ بإيراده حديث عائشة رضي الله تعالى عنها فِي قصة ابن وليدة زَمْعَة، حيث حكم -صلى الله عليه وسلم- بالولد لعبد بن زمعة، وألحقه بزمعة، ثم لَمّا رأى شبهه بعتبة أمر سودة أن تحتجب منه؛ احتياطا، ومثله قوله فِي قصة المتلاعنين، لما وَضَعت التي لوعنت، ولدا يشبه الذي رُميت به: "لولا الأيمان لكان لي ولها شأن"،