للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

كاذب، وأقام شاهدي زور، فحكم الحاكم، حَلّت له بذلك، وصارت زوجته، قَالَ ابن المنذر: وتفرد أبو حنيفة، فَقَالَ: لو استأجرت امرأة شاهدين شهدا لها بطلاق زوجها، وهما يعلمان كذبهما، وتزويرهما، فحكم الحاكم بطلاقها لحل لها أن تتزوج، وحَلّ لأحد الشاهدين نكاحها، واحتج بما رُوي عن عليّ رضي الله عنه، أن رجلاً ادّعى عَلَى امرأة نكاحها، فرفعها إلى عليّ رضي الله عنه، فشهد له شاهدان بذلك، فقضى بينهما بالزوجية، فقالت: والله ما تزوجني يا أمير المؤمنين، اعقد بيننا عقدا حَتَّى أحل له، فَقَالَ: "شاهداك زوّجاك" (١)، فدل عَلَى أن النكاح ثبت بحكمه، ولأن اللعان يَنفسخ به النكاح، وإن كَانَ أحدهما كاذبا، فالحكم أولى.

قَالَ: ولنا قول النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: "إنما أنا بشر، وإنكم تختصمون إليّ، ولعل بعضكم يكون ألحن بحجته منْ بعض، فأقضي له عَلَى نحوِ ما أسمع منه، فمن قضيت له بشيء منْ حق أخيه، فلا يأخذ منه شيئا، فإنما أقطع له قطعة منْ النار"، متّفقٌ عليه، وهذا يدخل فيه ما إذا ادّعى أنه اشترى منه شيئا، فحكم له، ولأنه حكم بشهادة زور، فلا يحل له ما كَانَ محرما عليه، كالمال المطلق، وأما الخبر عن عليّ -رضي الله عنه-، إن صح (٢) فلا حجة لهم فيه؛ لأنه أضاف التزويج إلى الشاهدين، لا إلى حكمه، ولم يجبها إلى التزويج؛ لأن فيه طعنا عَلَى الشهود، فأما اللعان فإنما حصلت الفرقة به، لا بصدق الزوج، ولهذا لو قامت البينة به، لم ينفسخ النكاح.

إذا ثبت هَذَا فإذا شهد عَلَى امرأة بنكاح، وحكم به الحاكم، ولم تكن زوجته، فإنها لا تحل له، ويلزمها فِي الظاهر، وعليها أن تمتنع ما أمكنها، فإن أكرهها عليه، فالإثم عليه دونها، وإن وطئها الرجل، فَقَالَ أصحابنا، وبعض الشافعيّة: عليه الحد؛ لأنه وطئها، وهو يعلم أنها أجنبية، وقيل: لا حد عليه؛ لأنه وطء مختلف فِي حله، فيكون ذلك شبهة، وليس لها أن تتزوج غيره، وَقَالَ أصحاب الشافعيّ: تحل لزوج ثان، غير أنها ممنوعة منه فِي الحكم، وَقَالَ القاضي: يصح النكاح.

ولنا أن هَذَا يفضي إلى الجمع بين الوطء للمرأة منْ اثنين: أحدهما يطؤها بحكم الظاهر، والآخر بحكم الباطن، وهذا فساد، فلا يشرع، ولأنها منكوحة لهذا الذي قامت له البينة فِي قول بعض الأئمة، فلم يجز تزويجها لغيره، كالمتزوجة بغير ولي، وحكى أبو الخطاب عن أحمد، رواية أخرى مثل مذهب أبي حنيفة، فِي أن حكم الحاكم يزيل الفسوخ والعقود، والأول هو المذهب. انتهى "المغني" ١٤/ ٣٧ - ٣٩.


(١) هَذَا لا يصحّ عن عليّ -رضي الله عنه-، كما سيأتي قريبًا.
(٢) سيأتي أنه لا يصحّ هَذَا عن عليّ -رضي الله عنه-.