وقيل: سهولة اللفظ مع البديهة. وقيل: لمحة دالة، أو كلمة تكشف عن البغية. وقيل: الإيجاز منْ غير عجز، والاطناب منْ غير خطأ. وقيل: النطق فِي موضعه، والسكوت فِي موضعه. وقيل: معرفة الفصل والوصل. وقيل: الكلام الدال أوله عَلَى آخره وعكسه. وهذا كله عن المتقدمين. وعَرَّف أهل المعاني والبيان البلاغة: بأنها مطابقة الكلام لمقتضى الحال والفصاحة (١)، وهي خلوه عن التعقيد. وقالوا: المراد بالمطابقة ما يحتاج إليه المتكلم، بحسب تفاوت المقامات، كالتأكيد وحذفه، والحذف وعدمه، أو الإيجاز والإسهاب، ونحو ذلك. والله أعلم.
(ومنها): الرد عَلَى منْ حكم بما يقع فِي خاطره، منْ غير استناد إلى أمر خارجي، منْ بينة ونحوها، واحتج بأن الشاهد المتصل به، أقوى منْ المنفصل عنه. ووجه الرد عليه كونه -صلى الله عليه وسلم-، أعلى فِي ذلك منْ غيره مطلقا، ومع ذلك فقد دل حديثه هَذَا عَلَى أنه إنما يحكم بالظاهر فِي الأمور العامة، فلو كَانَ المدعَى صحيحا لكان الرسول أحق بذلك، فإنه أعلم أنه تجري الأحكام عَلَى ظاهرها, ولو كَانَ يمكن أن الله يطلعه عَلَى غيب كل قضية، وسبب ذلك أن تشريع الأحكام واقع عَلَى يده، فكأنه أراد تعليم غيره منْ الحكام أن يعتمدوا ذلك، نعم لو شهدت البينة مثلا بخلاف ما يعلمه علما حسيا بمشاهدة، أو سماع يقينيا، أو ظنيا راجحا، لم يجز له أن يحكم بما قامت به البينة، ونقل بعضهم الاتفاق، وإن وقع الاختلاف فِي القضاء بالعلم، كما سيأتي قريبًا، إن شاء الله تعالى. (ومنها): أن فِي الْحَدِيث أيضًا موعظةَ الإِمام الخصومَ؛ ليعتمدوا الحق، والعمل بالنظر الراجح، وبناء الحكم عليه، وهو أمر إجماعي للحاكم والمفتي. قاله فِي "الفتح" ١٥/ ٨٤. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الرابعة) فِي بيان أن حكم الحاكم لا يُحلّ حرامًا, ولا يُحرّم حلالاً مطلقّا:
قَالَ الموفّق رحمه الله تعالى: حكم الحاكم لا يزيل الشيء عن صفته، فِي قول جمهور العلماء، منهم: مالك، والأوزاعي، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، وداود، ومحمد ابن الحسن.
وَقَالَ أبو حنيفة: إذا حكم الحاكم بعقد، أو فسخ أو طلاق، نفذ حكمه ظاهرا وباطنا، فلو أن رجلين تعمدا الشهادة عَلَى رجل، أنه طلق امرأته، فقبلهما القاضي بظاهر عدالتهما، ففرق بين الزوجين، لجاز لأحد الشاهدين نكاحها، بعد انقضاء عدتها، وهو عالم بتعمده الكذب، ولو أن رجلاً ادّعى نكاح امرأة، وهو يعلم أنه
(١) هكذا نسخة "الفتح" ١٥/ ٨٤ ولعل الأولى: "مع الفصاحة".