للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الغير، ودفعه عن حقّه، وكلّ ذلك معدوم فِي حقّ النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قطعًا، ولذلك قَالَ -صلى الله عليه وسلم- للمنافقين: "أيأمنني الله تعالى عَلَى أهل الأرض، ولا تأمنوني، والله إني لأمين منْ فِي السماء"، متّفقٌ عليه.

وأما قوله: إنما فعله لقطع حجة الخصم، فإنه باطلٌ، إذ لا حجة له، ولا لغيره عَلَى خلاف ما قاله النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، فإن هَذَا الأعرابيّ إن كَانَ مسلمًا، فقد علم صدق النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وإن كَانَ كافرًا، فلا مبالاة بقوله، إذ قد قام دليلٌ عَلَى صدقه، وعلمه العقلاء، كما لم يبال بقول منْ كذّبه منْ الكفّار، ولا بقول الذي اتّهمه فِي القسمة، حيث قَالَ: يا محمّد اعدل، فإن هذه قسمة ما أريد بها وجه الله.

ومن أوضح ما يدلّ عَلَى المطلوب، وأصحّه حديث قصّة أبي جهم -رضي الله عنه-، حيث بعثه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مصَدِّقًا، فلاجّه رجلان، فشجّهما، فأتيا النبيّ -صلى الله عليه وسلم- يطلبان القصاص، فبذل لهما مالاً، فرضيا به، فَقَالَ: "إني أخطب النَّاس، وأذكر لهم ذلك، أفرضيتما؟ " قالا: نعم، فخطب النَّاس، ثم قَالَ: "أرضيتما؟ " قالا: لا، فهمّ بهما المهاجرون والأنصار، فمنعهم النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، ثم نزل، فزادهما، فرضيا، ثم صعد المنبر، فَقَالَ: "أرضيتما؟ " قالا: نعم. وموضع الحجة: أنه -صلى الله عليه وسلم- لم يحكم عليهما بعلمه لَمّا جحدا، وهو المطلوب، ذكره أبو داود منْ حديث عائشة رضي الله تعالى عنها، وهو صحيح، والحاصل أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- لم يحكم بعلمه؛ تعليمًا لأمته، وسعيًا فِي سدّ باب التُّهَم والظنون. والله تعالى أعلم. انتهى "المفهم" ٥/ ١٥٦ - ١٥٨.

وَقَالَ الموفّق رحمه الله تعالى: ظاهر المذهب أن الحاكم لا يحكم بعلمه، فِي حَدّ ولا غيره، لا فيما علمه قبل الولاية، ولا بعدها، هَذَا قول شريح، والشعبي، ومالك، وإسحاق، وأبي عبيد، ومحمد بن الحسن، وهو أحد قولي الشافعيّ.

وعن أحمد رواية أخرى: يجوز له ذلك، وهو قول أبي يوسف، وأبي ثور، والقول الثاني للشافعي، واختيار المزني؛ لأن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، لَمّا قالت له هند: إن أبا سفيان رجل شحيح، لا يعطيني منْ النفقة ما يكفيني وولدي، قَالَ: "خذي ما يكفيك، وولدك بالمعروف"، فحكم لها منْ غير بينة، ولا إقرار؛ لعلمه بصدقها، ورَوَى ابنُ عبد البر فِي "كتابه": أن عروة، ومجاهدا، رويا أن رجلاً منْ بني مخزوم، استعدى عمر بن الخطاب عَلَى أبي سفيان بن حرب، أنه ظلمه حَدًّا فِي موضع كذا وكذا، وَقَالَ عمر: إني لأعلم النَّاس بذلك، وربما لعبت أنا وأنت فيه، ونحن غلمان، فأتني بأبي سفيان، فأتاه به، فَقَالَ له عمر: يا أبا سفيان انهض بنا إلى موضع كذا وكذا، فنهضوا، ونظر عمر، فَقَالَ: يا أبا سفيان خذ هَذَا الحجر منْ هاهنا، فضعه هاهنا، فَقَالَ: والله لا أفعل، فَقَالَ: والله