للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

{فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ} [الأنبياء: ٧٩]، ومع ذلك أثنى عليهما جميعًا بالعلم، حيث قَالَ: {وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا} الآية [الأنبياء: ٧٩]. والله تعالى أعلم بالصواب.

٥٤٠٦ - (أَخْبَرَنَا الْمُغِيرَةُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: حَدَّثَنَا مِسْكِينُ بْنُ بُكَيْرٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، قَالَ: "خَرَجَتِ امْرَأَتَانِ، مَعَهُمَا وَلَدَاهُمَا، فَأَخَذَ الذِّئْبُ أَحَدَهُمَا، فَاخْتَصَمَتَا فِي الْوَلَدِ إِلَى دَاوُدَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-، فَقَضَى بِهِ لِلْكُبْرَى مِنْهُمَا، فَمَرَّتَا عَلَى سُلَيْمَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَقَالَ: كَيْفَ قَضَى بَيْنَكُمَا؟ قَالَتْ: قَضَى بِهِ لِلْكُبْرَى، قَالَ سُلَيْمَانُ: أَقْطَعُهُ بِنِصْفَيْنِ، لِهَذِهِ نِصْفٌ، وَلِهَذِهِ نِصْفٌ، قَالَتِ الْكُبْرَى: نَعَمِ اقْطَعُوهُ، فَقَالَتِ الصُّغْرَى: لَا تَقْطَعْهُ، هُوَ وَلَدُهَا، فَقَضَى بِهِ لِلَّتِي أَبَتْ أَنْ يَقْطَعَهُ؟ ").

قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: "المغيرة بن عبد الرحمن" بن عون بن حبيب: هو الأسديّ، أبو أحمد الْحَرّانيّ، ثقة، منْ صغار [١٠] منْ أفراد المصنّف. و"مسكين بن بُكير": هو الحذّاء، أبو عبد الرحمن الحرّانيّ، صدوقٌ يُخطىء [٩].

والحديث متّفقٌ عليه، وَقَدْ مضى شرحه، وبيان مسائله قبل باب، غير أنه يستحسن أن أذكر ما يتعلّق بالباب، فأقول:

(مسألة): فِي اختلاف أهل العلم فِي نقض الحاكم ما حكم به غيره:

قَالَ الموفّق رحمه الله تعالى: ما حاصله: إذا رُفِعَتْ إلى الحاكم قضية، قد قضى بها حاكم سواه، فبان له خطؤه، أو بأن له خطأ نفسه نظر، فإن كَانَ الخطأ لمخالفة نص كتاب، أو سنة، أو إجماع، نَقَضَ حكمه، وبهذا قَالَ الشافعيّ، وزاد: إذا خالف نصا جليا نقضه، وعن مالك، وأبي حنيفة أنهما قالا: لا ينقض الحكم، إلا إذا خالف الإجماع، ثم ناقضا ذلك، فَقَالَ مالك: إذا حكم بالشفعة للجار نقض حكمه، وَقَالَ أبو حنيفة: إذا حكم ببيع متروك التسمية، أو حكم بين العبيد بالقرعة، نقض حكمه، وَقَالَ محمّد بن الحسن: إذا حكم بالشاهد واليمين نقض حكمه، وهذه مسائل خلافِ موافقةٌ للسنة، واحتجوا عَلَى أنه لا ينقض ما لم يخالف الإجماع، بأنه يسوغ فيه الخلاف، فلم ينقض حكمه فيه، كما لا نص فيه. وحُكي عن أبي ثور، وداود أنه ينقض جميع ما بان له خطؤه؛ لأن عمر رضي الله عنه كتب إلى أبي موسى: "لا يمنعك قضاء قضيته بالأمس، ثم راجعت نفسك فيه اليوم، فهُديت لرشدك، أن تراجع فيه الحق، فإن الرجوع إلى الحق خير منْ التمادي فِي الباطل"، ولأنه خطأ فوجب الرجوع عنه، كما لو خالف الإجماع. وحُكي عن مالك أنه واففقهما فِي قضاء نفسه.

قَالَ: ولنا عَلَى نقضه، إذا خالف نصا أو إجماعا، أنه قضاء لم يصادف شرطه،