للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فوجب نقضه، كما لو لم يخالف الإجماع، وبيان مخالفته للشرط أن شرط الحكم بالاجتهاد، عدم النصّ، بدليل خبر معاذ، ولأنه إذا تَرك الكتاب والسنة، فقد فَرّط، فوجب نقض حكمه، كما لو خالف الإجماع، أو كما لو حكم بشهادة كافرين، وما قالوه يبطل بما حكيناه عنهم.

[فإن قيل]: أليس إذا صلى بالاجتهاد إلى جهة، ثم بان له الخطأ لم يعد؟ [قلنا]: الفرق بينهما منْ ثلاثة أوجه: [أحدها]: أن استقبال القبلة يسقط حال العذر فِي حال المسايفة، والخوف منْ عدو، أو سبع، أو نحوه مع العلم، ولا يجوز ترك الحق إلى غيره مع العلم بحال. [الثاني]: أن الصلاة منْ حقوق الله تعالى، تدخلها المسامحة،

[الثالث]: أن القبلة يتكرر فيها اشتباه القبلة، فيشق القضاء هاهنا، إذا بان له الخطأ، لا يعود الاشتباه بعد ذلك، وأما إذا تغير اجتهاده منْ غير أن يخالف نصا, ولا إجماعا، أو خالف اجتهاده اجتهاد منْ قبله لم ينقضه لمخالفته؛ لأن الصحابة رضي الله عنهم أجمعوا عَلَى ذلك، فإن أبا بكر -رضي الله عنه- حكم فِي مسائل باجتهاده، وخالفه عمر، ولم ينقض أحكامه، وعليّ خالف عمر فِي اجتهاده، فلم ينقض أحكامه، وخالفهما عليّ، فلم ينقض أحكامهما، فإن أبا بكر سَوّى بين النَّاس فِي العطاء، وأعطى العبيد، وخالفه عمر ففاضل بين النَّاس، وخالفهما عليّ، فسوى بين النَّاس، وحرم العبيد، ولم ينقض واحد منهم ما فعله منْ قبله، وجاء أهل نجران إلى عليّ -رضي الله عنه-، فقالوا: يا أمير المؤمنين كتابك بيدك، وشفاعتك بلسانك، فَقَالَ: ويحكم، إن عمر كَانَ رشيد الأمر، ولن أَرُدّ قضاء قضى به عمر، رواه سعيد. ورُوي أن عمر حكم فِي المشرّكة بإسقاط الإخوة منْ الأبوين، ثم شَرّك بينهم بعدُ، وَقَالَ: تلك ما قضينا، وهذه عَلَى ما قضينا، وقضى فِي الجدّ بقضايا مختلفة، ولم يرد الأولى، ولأنه يؤدي إلى نقض الحكم بمثله، وهذا يؤدي إلى أن لا يثبت الحكم أصلا؛ لأن الحاكم الثاني يخالف الذي قبله، والثالث يخالف الثاني، فلا يثبت حكم.

[فإن قيل]: فقد رُوي أن شريحا حكم فِي ابني عم، أحدهما أخ لأم، أن المال للأخ، فرُفع ذلك إلى عليّ رضي الله عنه، فَقَالَ: عَلَيَّ بالعبد، فجيء به، فَقَالَ: فِي أيّ كتاب الله وجدت ذلك؟ فَقَالَ: قَالَ الله تعالى: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللَّهِ} الآية [الأنفال: ٧٥] , فَقَالَ له عليّ -رضي الله عنه-: قد قَالَ الله تعالى: {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلَالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ} الآية [النِّساء: ١٢]، ونقض حكمه.

[قلنا]: لم يثبت عندنا أن عليا نقض حكمه، ولو ثبت، فيحتمل أن يكون عليّ رضي