(منها): ما ترجم له المصنّف رحمه الله تعالى، وهو بيان جواز حكم الحاكم فِي داره، وهذا إذا لم يؤدّ إلى تضرّر النَّاس بضيق المكان، أو نحوه، وإلا فعليه أن يحكم فِي محلّ واسع. (ومنها): جواز رفع الصوت فِي المسجد، وهو كذلك، وَقَدْ بوّب الإِمام البخاريّ فِي "صحيحه""باب رفع الصوت فِي المسجد"، ثم أخرج بسنده عن السائب بن يزيد، قَالَ كنت قائما فِي المسجد، فحصبني رجل، فنظرت، فإذا عمر بن الخطاب، فَقَالَ: اذهب فأتني بهذين، فجئته بهما، قَالَ: منْ أنتما؟ أو منْ أين أنتما؟ قالا: منْ أهل الطائف، قَالَ: لو كنتما منْ أهل البلد، لأوجعتكما، ترفعان أصواتكما فِي مسجد رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؟. ثم أخرج حديث كعب بن مالك المذكور فِي الباب، قَالَ فِي "الفتح": أشار بالترجمة إلى الخلاف فِي ذلك، فقد كرهه مالك مطلقًا، سواء كَانَ فِي العلم، أم فِي غيره، وفرّق غيره بين ما يتعلّق بغرض دنيويّ، أو نفع دنيويّ، وبين ما لا فائدة فيه، وساق حديث عمر الدالّ عَلَى المنع، وحديث كعب الدال عَلَى عدمه، إشارة منه إلى أن المنع فيما لا منفعة فيه، وعدمه فيما تُلجىء الضرورة إليه. ووردت أحاديث فِي النهي عن رفع الصوت فِي المساجد، لكنها ضعيفة، أخرج ابن ماجه بعضها، فكأن المصنّف أشار إليها.
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: وعلى تقدير صحتها تحمل عَلَى ما إذا كَانَ الصوت متفاحشًا، وفي غير مصلحة، وأحاديث الإباحة عَلَى ما كَانَ للمصلحة.
وَقَالَ فِي "الفتح" أيضًا فِي موضع آخر: قَالَ المهلّب: لو كَانَ رفع الصوت فِي المسجد لا يجوز لما تركهما النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، ولبيّن لهما ذلك. قَالَ الحافظ: ولمن منع أن يقول: لعله تقدّم النهي عن ذلك، فاكتفى به، واقتصر عَلَى التوصّل بالطريق المؤدّية إلى ترك ذلك بالصلح المقتضي لترك المخاصمة الموجبة لرفع الصوت. انتهى.
(ومنها): أن الإشارة بمنزلة الكلام إذا فُهمت؛ لأنها دالّة عَلَى الكلام، كالحروف والأصوات، فتصحّ شهادة الأخرس، ويمينه، ولعانه، وعُقُوده، إذا فُهم ذلك عنه. (ومنها): استحباب الشفاعة إلى صاحب الحقّ. (ومنها): إشارة الحاكم بالصلح بين المتخاصمين، عَلَى جهة الإرشاد، وهنا وقع الصلح عَلَى الإقرار، وهو متّفق عَلَى جوازه، وأما الصلح عن الإنكار فأجازه أبو حنيفة، ومالك، وهو قول الحسن، وَقَالَ الشافعيّ: هو باطل، وبه قَالَ ابن أبي ليلى. (ومنها): قبول الشفاعة فِي غير معصية. (ومنها): جواز المخاصمة فِي المسجد فِي الحقوق، والمطالبة بالديون. (ومنها): جواز ملازمة الغريم، والتقاضي منه. (ومنها): إرخاء الستر عَلَى الباب للحاجة. والله