أبو ثور، وأبى ذلك الجمهور، والخلاف فِي غير الحدود أقوى، قَالَ: وقصة أنيس يطرقها احتمال معنى الإعذار كما مضى، وأن قوله:"فارجُمْها" أي بعد إعلامي، أو أنه فَوَّض الأمر إليه، فإذا اعترفت بحضرة منْ يثبت ذلك بقولهم تحكم، وَقَدْ دل قوله:"فأمر بها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فرُجمت، أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، هو الذي حكم فيها بعدَ أن أعلمه أنيس باعترافها، كذا قَالَ، والذي يظهر أن أنيسا لَمّا اعترفت أعلم النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وبالغ فِي الاستثبات، مع كونه كَانَ عَلّق له رجمها عَلَى اعترافها.
(ومنها): أنه استدل به عَلَى أن حضور الإِمام الرجم ليس شرطا. وتُعُقّب باحتمال أن أنيسا كَانَ حاكما، وَقَدْ حضر، بل باشر الرجم؛ لظاهر قوله: "فرجمها". (ومنها): أن فيه تركَ الجمع بين الجلد والتغريب. (ومنها): أن فيه الاكتفاءَ بالاعتراف بالمرة الواحدة؛ لأنه لم يُنقل أن المرأة تكرر اعترافها، والاكتفاء بالرجم منْ غير جلد؛ لأنه لم يُنقل فِي قصتها أيضًا، وفيه نظر؛ لأن الفعل لا عموم له، فالترك أولى. (ومنها): أن فيه جوازَ استئجار الحر، وجواز إجازة الأب ولده الصغير لمن يستخدمه، إذا احتاج لذلك. (ومنها): أنه استُدلّ به عَلَى صحة دعوة الأب لمحجوره، ولو كَانَ بالغا؛ لكون الولد كَانَ حاضرا, ولم يتكلم إلا أبوه. وتُعُقّب باحتمال أن يكون وكيله، أو لأن التداعي لم يقع إلا بسبب المال الذي وقع به الفداء، فكأن والد العسيف ادّعى عَلَى زوج المرأة بما أخذه منه، إما لنفسه، وإما لامرأته بسبب ذلك حين أعلمه أهل العلم، بأن ذلك الصلح فاسد؛ ليستعيده منه، سواء كَانَ منْ ماله، أو منْ مال ولده، فأمره النبيّ -صلى الله عليه وسلم- برد ذلك إليه، وأما ما وقع فِي القصة منْ الحد، فباعتراف العسيف، ثم المرأة. (ومنها): أن حال الزانيين إذا اختلفا، أقيم عَلَى كل واحد حده؛ لأن العسيف جُلِدَ، والمرأة رُجمت، فكذا لو كَانَ أحدهما حرا، والآخر رقيقا، وكذا لو زنى بالغ بصبية، أو عاقل بمجنونة حُدّ البالغ والعاقل دونهما، وكذا عكسه. (ومنها): أن منْ قذف ولده لا يحد له؛ لأن الرجل قَالَ: إن ابني زنى، ولم يثبت عليه حد القذف. أفاده فِي "الفتح" ١٤/ ١٠٥ - ١٠٧. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.