ممن الزنا؟، أو ممن الحبل، وهذا أولى لما مرّ آنفًا منْ رواية أبي حازم (قَالَتْ: مِنَ الْمُقْعَدِ) أي هو منْ الرجل المقعد، بصيغة اسم المفعول، يقال: أُقعد الرجل بالبناء للمفعول: أصابه داء فِي جسده، فلا يستطيع الحركة للمشي، فهو مُقعَدٌ، وهو الزَّمِنُ أيضًا. قاله فِي "المصباح"(الَّذِي فِي حَائِطِ سَعْدٍ) أي ابن عبادة، ففي رواية "الكبرى" ٤/ ٣١٢ - منْ طريق سفيان، عن يحيى بن سعيد، أنه سمع أبا أمامة بن سهل يقول:"كَانَ رجلٌ عند جوار سعد بن عبادة، مقعد … " الْحَدِيث، ومن طريق الزهريّ، عن أبي أمامة، قَالَ: مرِض رجل منهم حَتَّى عاد جلدًا عَلَى عظم، فدخلت عليه جارية تعوده، فوقع عليها، فضاق صدرًا بخطيئته، فَقَالَ لقوم يعودونه: سلوا لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فإني قد وقعت عَلَى امرأة حراما، فليُقم عليّ الحدّ، وليُطهّرني، فذكروا ذلك لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ثم قالوا: لو حُمل إليك لتحطّمت عظامه، ولو ضُرب لمات، فَقَالَ:"خذوا مائة شمروخ، فاضربوه به ضربةً واحدة"(فَأَرْسَلَ إِلَيْهِ) الظاهر أن هَذَا الإرسال مثل الإرسال المتقدّم فِي قصّة المرأة المذكورة الباب الماضي، حيث قيل: إن سبب بعث النبيّ -صلى الله عليه وسلم- إليها؛ ليُعلمها بالقذف المذكور؛ لتطالب بحدّ قاذفها إن أنكرت (فَأُتِيَ بِهِ مَحْمُولًا) أي لعدم استطاعته المشي لشدّة مرضه (فَوُضِعَ بَيْنَ يَديْهِ) -صلى الله عليه وسلم- (فَاعْتَرَفَ) بأنه زنى بها (فَدَعَا رسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- بِإِثْكَالٍ) بكسر الهمزة، وسكون الثاء المثلّثة، بعدها كاف، ثم لام: وهو عذق النخلة بما فيه منْ الشماريخ (فَضَرَبَهُ) بذلك الإثكال ضربة واحدة (وَرَحِمَهُ لِزَمَانَتِهِ) أي ترك جلده مائة؛ رحمةً به؛ لشدّة مرضه، ولأنه لو جُلد لمات (وَخَفَّفَ عَنْهُ) بضربه مرّة واحدة. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسائل تتعلّق بهذا الْحَدِيث:
(المسألة الأولى): فِي درجته:
حديث أبي أُمامة بن سهل رضي الله تعالى عنهما هَذَا مرسلٌ صحيح، وَقَدْ روي موصولاً عن أبي أُمامة بن سهل، عن سعيد بن سعد بن عبادة -رضي الله عنهم-، وَقَدْ استوفى طرقه المصنّف رحمه الله تعالى فِي "الكبرى" ٤/ ٣١١ - ٣١٤ - وَقَالَ فِي آخره: قَالَ أبو عبد الرحمن: أجودها حديث أبي أمامة مرسلٌ. انتهى.
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: الْحَدِيث -وإن كَانَ الأرجح إرساله- لكنه يعتضد بما رواه مسلم فِي "صحيحه"، منْ حديث عليّ -رضي الله عنه- أنه قَالَ: إن أمة لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- زنت، فأمرني أن أجلدها، فإذا هي حديثة عهد بنفاس، فخشيت إن أنا جلدتها أن أقتلها، فذكرت ذلك لرسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فَقَالَ:"أحسنت". والله تعالى أعلم.