للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(ومنها): أنه يدلّ عَلَى وجوب نفقة الابن على الأب، ولو كَانَ الابن كبيرا، وتُعُقّب بأنها واقعة عين، ولا عموم فِي الأفعال، فيحتمل أن يكون المراد بقولها: "بني" بعضهم: أي منْ كَانَ صغيرا، أو كبيرا زمنا، لا جميعهم. (ومنها): أنه استدل به عَلَى أن منْ له عند غيره حق، وهو عاجز عن استيفائه، جاز له أن يأخذ منْ ماله قدر حقه بغير إذنه، وهو قول الشافعيّ، وجماعة، وتسمى "مسألة الظَّفَر"، والراجح عندهم لا يأخذ غير جنس حقه، إلا إذا تعذر جنس حقه، وعن أبي حنيفة: المنع، وعنه يأخذ جنس حقه، ولا يأخذ منْ غير جنس حقه، إلا أحد النقدين بدل الآخر، وعن مالك ثلاث روايات، كهذه الآراء، وعن أحمد المنع مطلقًا.

قَالَ الخطّابيّ: يؤخذ منْ حديث هند جواز أخذ الجنس، وغير الجنس؛ لأن منزل الشحيح لا يجمع كل ما يحتاج إليه منْ النفقة، والكسوة، وسائر المرافق اللازمة، وَقَدْ أطلق لها الإذن فِي أخذ الكفاية منْ ماله، قَالَ: ويدل عَلَى صحة ذلك قولها فِي رواية أخرى: "وأنه لا يدخل عَلَى بيتي ما يكفيني وولدي".

وتعقّبه الحافظ بأنه لا دلالة فيه لما ادعاه منْ أن بيت الشحيح لا يحتوي عَلَى كل ما يحتاج إليه؛ لأنها نفت الكفاية مطلقًا، فتناول جنس ما يحتاج إليه، وما لا يحتاج إليه، ودعواه أن منزل الشحيح كذلك مسلمة، لكن منْ أين له أن منزل أبي سفيان كَانَ كذلك، والذي يظهر منْ سياق القصة أن منزله كَانَ فيه كل ما يحتاج إليه، إلا أنه كَانَ لا يمكنها إلا منْ القدر الذي أشارت إليه، فاستأذنت أن تأخذ زيادة عَلَى ذلك بغير علمه.

قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: عندي أن تعقّب الحافظ على استدلال الخطّابيّ محلّ نظر، فإن استدلاله واضح. والله تعالى أعلم.

وَقَدْ وجه ابن المنير قوله: إن فِي قصة هند دلالةٌ عَلَى أن لصاحب الحق أن يأخذ منْ غير جنس حقه، بحيث يحتاج إلى التقويم؛ لأنه عليه الصلاة والسلام أذن لهند، أن تفرض لنفسها وعيالها قدر الواجب، وهذا هو التقويم بعينه، بل هو أدقّ منه، وأعسر.

قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: ما قاله ابن المنيّر رحمه الله تحقيق حسن جدًّا. والله تعالى أعلم.

(ومنها): أنه استدل به عَلَى أن للمرأة مدخلا فِي القيام عَلَى أولادها، وكفالتهم، والإنفاق عليهم. (ومنها): اعتماد العرف فِي الأمور التي لا تحديد فيها منْ قبل الشرع. وَقَالَ القرطبيّ: فيه اعتبار العرف فِي الشرعيات، خلافا لمن أنكر ذلك لفظًا، وعمل به معنًى، كالشافعية كذا قَالَ، والشافعية إنما أنكروا العمل بالعرف، إذا عارضه النص الشرعي، أو لم يُرشد النص الشرعي إلى العرف.