الدعاء للذي يعجبه بالبركة، ويكون ذلك رقية منه، وأن الماء المستعمل طاهر، وفيه جواز الاغتسال بالفضاء، وأن الإصابة بالعين قد تقتل، وقد اختُلف فِي جريان القصاص بذلك، فَقَالَ القرطبيّ: لو أتلف العائن شيئا ضمنه، ولو قتل فعليه القصاص، أو الدية إذا تكرر ذلك منه، بحيث يصير عادة، وهو فِي ذلك كالساحر عند منْ لا يقتله كفرا. انتهى. ولم يتعرض الشافعيّة للقصاص فِي ذلك، بل منعوه، وقالوا: إنه لا يقتل غالبا، ولا يعد مهلكا. وَقَالَ النوويّ فِي "الروضة": ولا دية فيه، ولا كفارة؛ لأن الحكم إنما يترتب عَلَى منضبط عام، دون ما يختص ببعض النَّاس، فِي بعض الأحوال، مما لا انضباط له، كيف ولم يقع منه فعل أصلا، وإنما غايته حسد، وتمن لزوال نعمة، وأيضًا فالذي ينشأ عن الإصابة بالعين حصول مكروه لذلل الشخص، ولا يتعين ذلك المكروه فِي زوال الحياة، فقد يحصل له مكروه بغير ذلك منْ أثر العين. انتهى.
ولا يعكر عَلَى ذلك إلا الحكم بقتل الساحر، فإنه فِي معناه، والفرق بينهما فيه عسر، ونقل ابن بطال عن بعض أهل العلم، أنه يبغي للإمام منع العائن إذا عُرِفَ بذلك، منْ مداخلة النَّاس، وأن يلزم بيته، فإن كادْ فقيرا رزقه ما يقوم به، فإن ضرره أشد منْ ضرر الْمَجْذُوم، الذي أمر عمر رضي الله عنه بمنعه منْ مخالطة النَّاس، وأشد منْ ضرر الثوم الذي منع الشارع آكله منْ حضور الجماعة، قَالَ النوويّ: وهذا القول صحيح متعين، لا يعرف عن غيره تصريح بخلافه. انتهى "فتح" ١١/ ٣٦١ - ٣٦٤. وهو بحث نفيس جدًّا. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الخامسة): فِي ذكر الباب الثاني منْ البابين الذين ذكرهما البخاريّ رحمه الله تعالى، وهو أولهما عنده، لكني رأيت المناسبة لغرضي هكذا، قَالَ رحمه الله تعالى:
"باب رقية العين"، ثم أخرج عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: أمرني رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أو أمر أن يُسترقى منْ العين". وحديث أم سلمة رضي الله تعالى عنها أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- رأى فِي بيتها جارية فِي وجهها سَفْعَة -أي سواد- فَقَالَ: "استرقوا لها، فإن بها النظرة".
قَالَ فِي "الفتح": قوله: "باب رقية العين": أي رقية إلذي يصاب بالعين. قَالَ: والعين: نظر باستحسان مشوب بحسد، منْ خبيث الطبع، يحصل للمنظور منه ضرر، وَقَدْ وقع عند أحمد، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- رفعه: "العين حق، ويحضرها الشيطان، وحسد ابن آدم".
وَقَدْ أشكل ذلك عَلَى بعض النَّاس، فَقَالَ: كيف تعمل العين منْ بعد حَتَّى يحصل الضرر للمعيون؟.