[الثالث]: أنه ترك ذكره احتقارا، وتُعُقّب بذكر يأجوج ومأجوج، وليست الفتنة بهم بدون الفتنة بالدجال، والذي قبله، وتعقب بأن السؤال باق، وهو ما الحكمة فِي ترك التنصيص عليه؟ وأجاب الإمام البلقيني بأنه اعتَبَو كل منْ ذُكر فِي القرآن منْ المفسدين، فوجد كل منْ ذكر إنما هم ممن مضى، وانقضى أمره، وأما منْ لم يجىء بعدُ، فلم يذكر منهم أحدا. انتهى. وهذا يُنتقض بيأجوج ومأجوج. وَقَدْ وقع فِي تفسير البغوي أن الدجال مذكور فِي القرآن، فِي قوله تعالى:{لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ}[غافر: ٥٧]، وأن المراد بالناس هنا الدجال، منْ إطلاق الكل عَلَى البعض، وهذا إن ثبت أحسن الأجوبة، فيكون منْ جملة ما تكفل النبيّ صلّى الله عليه وسلم ببيانه والعلم عند الله تعالى.
وأما ما يظهر عَلَى يده منْ الخوارق، فقد ذكر فِي أحاديث كثيرة، كحديث حذيفة -رضي الله عنه- مرفوعًا:"إن معه ماء، وناراً، فناره ماء بارد، وماؤه نار". رواه البخاريّ، وغير ذلك.
وعند الحاكم منْ طريق قتادة، عن أبي الطفيل، عن حذيفة بن أَسيد رفعه:"إنه يخرج -يعني الدجال- فِي نقص منْ الدنيا، وخفة منْ الدين، وسوء ذات بين، فيرد كل مَنْهَل، وتُطوى له الأرض … الْحَدِيث، وأخرج نعيم بن حماد فِي "كتاب الفتن" منْ طريق كعب الأحبار قَالَ: يتوجه الدجال، فينزل عند باب دمشق الشرقي، ثم يُلتَمس فلا يُقدَر عليه، ثم يُرَى عند المياه التي عند نهر الكسوة، ثم يُطلب فلا يُدْرَى أين توجه؟ ثم يظهر بالمشرق، فيعطى الخلافة، ثم يظهر السحر، ثم يدعي النبوة، فتتفرق النَّاس عنه، فيأتي النهر فيأمره أن يسيل إليه، فيسيل ثم يأمره أن يرجع فيرجع، ثم يأمره أن ييبس فييبس، ويأمر جبل طور، وجبل زيتا أن ينتطحا فينتطحان، ويأمر الريح أن تثير سحابا منْ البحر، فتمطر الأرض، ويخوض البحر فِي يوم، ثلاث خوضات، فلا يبلغ حقويه، وإحدى يديه أطول منْ الأخرى، فيمد الطويلة فِي البحر، فتبلغ قعره، فيخرج منْ الحيتان ما يريد".
وأما متى يهلك؟ ومن يقتله؛ فإنه يهلك بعد ظهوره عَلَى الأرض كلها، إلا مكة والمدينة، ثم يقصد بيت المقدس، فينزل عيسى عليه السلام، فيقتله، أخرجه مسلم.
وفي حديث هشام بن عامر -رضي الله عنه-: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "ما بين خلق آدم إلى قيام الساعة فتنة أعظم منْ الدجال"، أخرجه الحاكم.
وأخرج أبو نعيم فِي ترجمة حسان بن عطية، أحد ثقات التابعين منْ "الحلية" بسند حسن صحيح إليه قَالَ: "لا ينجو منْ فتنة الدجال إلا اثنا عشر ألف رجل، وسبعة آلاف