(وَالْحَرِيقِ) أي منْ الاحتراق فِي النار، وفي رواية أبي داود:"والحرق" بفتحتين، وَقَدْ تسكن راؤه: منْ الإحراق، ويطلق عَلَى النار، أو لهبها (وَأَعُوذُ بِكَ أَنْ يَتَخَبَّطَنِي الشَّيْطَانُ عِنْدَ الْمَوْتِ) أي يفسد عليّ ديني، وعقلي عند الموت بأن يستولي عليه الشيطان عند مفارقة الدنيا، فيضلّه، ويحول بينه وبين التوبة، ويعوقه عن إصلاح شأنه، والخروج منْ مظلمة تكون قبله، أو يؤيسه منْ رحمة الله تعالى، أو يكره الموت، ويتأسّف عَلَى حياة الدنيا، فلا يرضى بما قضاه الله عليه منْ الفناء، والنقلة إلى دار الآخرة، فيُختم له بالسوء، ويَلقى الله تعالى وهو ساخط عليه. قَالَ الخطابيّ: وَقَدْ رُوي أن الشيطان لا يكون فِي حال أشدّ عَلَى ابن آدم منه فِي حال الموت، يقول لإخوانه: دونكم هَذَا، فإنه إن فاتكم اليوم، لم تلحقوه. نعوذ بالله من شره، ونسأله أن يُبارك لنا في ذلك المَصْرَع، وأن يختم لنا بخير. انتهى (١)(وَأَعُوذُ بكَ أَنْ أَمُوتَ فِي سَبِيلِكَ مُدْبِرًا) أي فارًا منْ صفّ القتال، غير محتال عَلَى العدوّ، أوَ غير متحيّز إلى جماعة المسلمين، أو مدبرًا عن ذكرك، ومقبلاً على غيرك. (وَأَعوذُ بكَ أَنْ أَمُوتَ لَدِيغًا) أي ملدوغًا، فلديغ فعيل بمعنى مفعول، وهو منْ لدغه عقرب، أوَ حيّة، أو غيرهما منْ ذوات السموم. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسائل تتعلّق بهذا الْحَدِيث:
(المسألة الأولى): فِي درجته:
حديث أبي اليسر -رضي الله عنه- هَذَا صحيح.
(المسألة الثانية): فِي بيان مواضع ذكر المصنّف له، وفيمن أخرجه معه:
أخرجه هنا -٦١/ ٥٥٣٣ و٥٥٣٤ و٥٥٣٥ - وفي "الكبرى" ٦٥/ ٧٩٧٢ و٧٩٧٣ و٧٩٧٤. وأخرجه (د) فِي "الصلاة" ١٥٥٢ (أحمد) فِي "مسند المكيين" ١٥٠٩٧. والله تعالى أعلم.
(المسألة الثالثة): فِي فوائده:
(منها): ما ترجم له المصنّف رحمه الله تعالى، وهو بيان استحباب الاستعاذة منْ التردي، والهدم. (ومنها): استحباب الاستعاذة منْ الأشياء المذكورة فِي هَذَا الْحَدِيث، وما أشبهها مما يقلق العبد، ويزعجه. (ومنها): أن استعاذته -صلى الله عليه وسلم- منْ الهدم، والتردّي، والغرق، والحرق، واللدغ، وإن كَانَ منْ مات بها يموت شهيداً؛ لأنها لقوة وقعها لا يكاد الإنسان يصبر عليها، فربّما ينتهز الشيطان هذه الفرصة، فيضرّه فِي دينه. (ومنها): أن استعاذته -صلى الله عليه وسلم- منْ أن يموت لديغًا لا تنافي حصول لدغ لا يموت به، فقد رَوَى ابن أبي شيبة أنه -صلى الله عليه وسلم- لدغته عقرب، وهو يصلي، فَقَالَ:"لعن الله العقرب، لا تدع نبيًا, ولا غيره"،