أعمال أهل الشرك، فكأنه لا مباينة بين عابد الصنم، وشارب الخمر والمقامر، ثم أفردهما بالذكر ليعلم أنهما المقصود بالذكر. انتهى "تفسير النسفيّ" ١/ ٣٠٠ - ٣٠١.
{فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} قَالَ النسفيّ: منْ أبلغ ما يُنهى به، كأنه قيل: قد تُلي عليكم ما فيها منْ أنواع الصوارف، والزواجر، فهل أنتم مع هذه الصوارف منتهون، أم أنتم عَلَى ما كنتم عليه، كأن لم توعظوا, ولم تزجروا. انتهى "تفسير النسفيّ" ١/ ٣٠١.
وَقَالَ القرطبيّ: لَمّا عَلِم عمر رضي الله عنه أن هَذَا وعيد شديد زائد عَلَى معنى: "انتهوا"، قَالَ: انتهينا، وأمر النبيّ -صلى الله عليه وسلم- مناديه أن ينادي فِي سكك المدينة:"ألا إنّ الخمر قد حُرِّمت"، فكُسِرت الدِّنَانُ، وأريقت الخمر، حَتَّى جرت فِي سكك المدينة. انتهى "تفسير القرطبيّ" ٦/ ٢٩٢. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسائل تتعلّق بهذين الآيتين الكريمتين:
(المسألة الأولى): كَانَ تحريم الخمر بتدريج، ونوازل كثيرة، فإنهم كانوا مُولعين بشربها، وأول ما نزل فِي شأنها:{يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} الآية [البقرة: ٢١٩]: أي فِي تجارتهم فلما نزلت هذه الآية تركها بعض النَّاس، وقالوا: لا حاجة لنا فيما فيه إثم كبير، ولم يتركها بعض النَّاس، وقالوا نأخذ منفعتها، ونترك إثمها، فنزلت هذه الآية:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} الآية [النِّساء: ٤٣]: فتركها بعض النَّاس، وقالوا: لا حاجة لنا فيما يشغلنا عن الصلاة، وشربها بعض النَّاس فِي غير أوقات الصلاة، حَتَّى نزلت:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ} الآية [المائدة: ٩٠] فصارت حراما عليهم، حَتَّى صار يقول بعضهم: ما حرم الله شيئاً أشد منْ الخمر، وَقَالَ أبو ميسرة: نزلت بسبب عمر بن الخطاب، فإنه ذكر للنبي -صلى الله عليه وسلم- عيوب الخمر، وما ينزل بالناس منْ أجلها، ودعا الله فِي تحريمها، وَقَالَ: اللَّهم بين لنا فِي الخمر بيانا شافيا، فنزلت هذه الآيات، فَقَالَ عمر: انتهينا انتهينا. وروى أبو داود، عن ابن عبّاس، قَالَ:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى}[النِّساء: ٤٣]، {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ}[البقرة: ٢١٩]، نسختها التي فِي المائدة:{إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ}[المائدة: ٩٠]، وفي "صحيح مسلم" عن سعد ابن أبي وقاص أنه قَالَ: نزلت فِي آيات منْ القرآن، وفيه قَالَ: وأَتيت عَلَى نفر منْ الأنصار، فقالوا: تعال، نطعمك، ونسقيك خمرًا، وذلك قبل أن تحرم الخمر، قَالَ: فأتيتهم فِي حَشّ والْحَشّ -البستان، فإذا رأس جَزُور مشوي عندهم، وزِقّ منْ خمر، قَالَ: فأكلت، وشربت معهم، قَالَ: