للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

فذكرت الأنصار والمهاجرين عندهم، فقلت المهاجرون خير منْ الأنصار، قَالَ: فأخذ رجل لَحْي جمل فضربني به، فجرح أنفي، وفي رواية: ففزره، وكان أنف سعد مفزورا، فأتيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فأخبرته، فأنزل الله تعالى فِيَّ -يعني نفسه- شأن الخمر: {إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ} [المائدة: ٩٠]. ذكره القرطبيّ. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الثانية): هذه الأحاديث تدلّ عَلَى أن شرب الخمر، كَانَ إذ ذاك مباحا، معمولا به معروفا عندهم، بحيث لا ينكر، ولا يغير، وأن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- أقرهم عليه، وهذا ما لا خلاف فيه، تدلّ عليه آية النِّساء: {لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى} [النِّساء: ٤٣]، عَلَى ما تقدّم، وهل كَانَ يباح لهم شرب القدر الذي يُسكر؟، حديث حمزة -رضي الله عنه- ظاهر فيه حين بقر خواصر ناقتي عليّ رضي الله عنهما، وجَبّ أسنمتهما، فأخبر عليّ بذلك النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، فجاء إلى حمزة، فصدر عن حمزة للنبى -صلى الله عليه وسلم- منْ القول الجافي المخالف لما يجب عليه منْ احترام النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وتوقيره وتعزيره، ما يدلّ عَلَى أن حمزة كَانَ قد ذهب عقله بما يسكر، ولذلك قَالَ الراوي: فعرف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه ثَمِلٌ، ثم إن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- لم ينكر عَلَى حمزة، ولا عَنّفَه، لا فِي حال سكره، ولا بعد ذلك، بل رجع لما قَالَ حمزة: وهل أنتم إلا عبيد لأبي، عَلَى عقيبيه القهقرَى، وخرج عنه، كما هو فِي "الصحيحين"، وغيرهما.

وهذا خلاف ما قاله الأصوليون وحكوه، فإنهم قالوا: إن السكر حرام فِي كل شريعة؛ لأن الشرائع مصالح العباد، لا مفاسدهم، وأصل المصالح العقل، كما أن أصل المفاسد ذهابه، فيجب المنع منْ كل ما يُذهبه، أو يشوشه، إلا أنه يُحمَل حديث حمزة عدى أنه لم يقصد بشربه السكر، لكنه أسرع فيه فغلبه. والله اعلم. قاله أبو عبد الله القرطبيّ رحمه الله تعالى. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الثالثة): قَالَ أبو عبد الله القرطبيّ رحمه الله تعالى أيضًا: فَهِمَ الجمهور منْ تحريم الخمر، واستخباث الشرع لها، وإطلاق الرجس عليها، والأمر باجتنابها الحكم بنجاستها، وخالفهم فِي ذلك ربيعة، والليث بن سعد، والمزني صاحب الشافعيّ، وبعض المتأخرين منْ البغداديين، والقرويين، فرأوا أنها طاهرة، وأن المحرم إنما هو شربها، وَقَدْ استدل سعيد بن الحداد القروي عَلَى طهارتها بسفكها فِي طريق المدينة، قَالَ: ولو كِان نجسة لما فَعل ذلك الصحابة رضوان الله عليهم، ولَنَهَى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عنه، كما نَهَى عن التخلي فِي الطرق.

[والجواب]: أن الصحابة فعلت ذلك؛ لأنه لم يكن لهم سُرُوب، ولا آبار يريقونها