وفي رواية البخاريّ:"منْ فَضيخ زَهْو وتمر": أما الفَضِيخ: فهو -بفاء وضاد، معجمتين، وِزان عظيم-: اسم للبُسْر إذا شُدِخَ (١)، ونُبِذ، وأما الزَّهْوُ -فبفتح الزاي، وسكون الهاء، بعدها واو-: وهو البسر الذي يَحمَرّ، أو يَصْفَرُّ قبل أن يترطب، وَقَدْ يُطلق الفضيخ عَلَى خليط البسر والرطب، كما يُطلق عَلَى خليط البسر والتمر، كما فِي الرواية التالية، وكما يطلق عَلَى البسر وحده، وعلى التمر وحده، كما فِي رواية عند البخاريّ، وعند أحمد منْ طريق قتادة، عن أنس:"وما خمرهم يومئذ إلا البسر والتمر، مخلوطين"، ووقع عند مسلم منْ طريق قتادة، عن أنس:"أسقيهم منْ مزادة فيها خليط بسر وتمر".
(فَقَالُوا: اكفَأْهَا) بوصل الهمزة، منْ كفأ، منْ باب نفع: أي اقلب وعاها، ويقال: أكفأ بالهمز أيضاً قَالَ فِي "القاموس": كفأه، كمنعه: صرفه، وكبّه، وقلبَهُ، كأكفأه، واكتفأه. انتهى (فَكَفَأْتُهَا) أي قلبتها. وفي رواية للبخاريّ:"فَقَالَ أبو طلحة: قم يا أنس، فهرقها" -بفتح الهاء، وكسر الراء، وسكون القاف- والأصل: أَرِقها، فأبدلت الهمزة هاء، وكذا قوله:"فهرقتها"، وَقَدْ تستعمل هذه الكلمة بالهمزة والهاء معا، وهو نادر، وَقَدْ تقدّم بسطه فِي "الطهارة"، ووقع فِي رواية ثابت، عن أنس عند البخاريّ فِي "التفسير" بلفظ: "فأرقها"، ومن رواية عبد العزيز بن صهيب، فقالوا:"أرق هذه القلال، يا أنس"، وهو محمول عَلَى أن المخاطب له بذلك أبو طلحة، ورضي الباقون بذلك، فنسب الأمر بالإراقة إليهم جميعا، ووقع فِي "باب إجازة خبر الواحد" منْ البخاريّ منْ رواية أخرى، عن مالك فِي هَذَا الْحَدِيث. "قم إلى هذه الجرار، فاكسرها، قَالَ أنس: فقمت إلى مِهْراس لنا، فضربتها بأسفله، حَتَّى انكسرت"، وهذا لا ينافي الروايات الأخرى، بل يجمع بأنه أراقها، وكسر أوانيها، أو أراق بعضا، وكسر بعضا.
وَقَدْ ذكر ابن عبد البرّ إن إسحاق بن أبي طلحة تفرد عن أنس بذكر الكسر، وأن ثابتا وعبد العزيز بن صهيب وحميدا وعدّ جماعة منْ الثقات، رووا الْحَدِيث بتمامه، عن أنس، منهم منْ طوّله، ومنهم منْ اختصره، فلم يذكروا إلا إراقتها.
و"المهراس" -بكسر الميم، وسكون الهاء، وآخره مهملة- إناء يُتَّخذ منْ صخر، وينقر، وَقَدْ يكون كبيرا كالحوض، وَقَدْ يكون صغيرا بحيث يتأتى الكسر به، وكأنه لم يحضره ما يكسر به غيره، أو كسر بآلة المهراس التي يُدَقّ بها فيه كالهاون، فأطلق اسمه عليها مجازا.