ما فِي الإنسان، ولهذا حرّم الله عَلَى هذه الأمة الأشربة المسكرة؛ صيانة لعقولها. انتهى كلام ابن كثير.
وَقَالَ النسفيّ رحمه الله تعالى فِي "تفسيره" ٢/ ٢٩١: ويتعلّق {وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنَابِ} بمحذوف، تقديره: ونُسقيكم منْ ثمرات النخيل والأعناب: أي منْ عصيرهما، وحُذف لدلالة {نُسْقِيكُم} قبله عليه. وقوله:{تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا} بيان، وكشف عن كنه الإسقاء، أو تتخذون، و {مِنْهُ} منْ تكرير الظرف للتوكيد، والضمير فِي {مِنْهُ} يرجع إلى المضاف المحذوف الذي هو العصير، والسكر: الخمر، سمّيت بالمصدر، منْ سَكِرَ سَكَرًا وسُكْرًا، نحو رَشِدَ رَشَدًا ورُشْدًا. ثم فيه وجهان:[أحدهما]: أن الآية سابقة عَلَى تحريم الخمر، فتكون منسوخة. [وثانيهما]: أن يُجمع بين العتاب والمنّة. وقيل: السكر: النبيذ، وهو عصير العنب، والزبيب، والتمر إذا طُبخ حَتَّى ذهب ثلثاه، ثم يُترك حَتَّى يشتد، وهو حلال عند أبي حنيفة، وأبي يوسف رحمهما الله تعالى إلى حدّ السكر، ويحتجّان بهذه الآية. انتهى.
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: هَذَا القول باطل؛ لمنابذته الأحاديث الصحيحة الكثيرة، كما سيأتي تفنيده قريبًا، إن شاء الله تعالى.
وَقَالَ أبو عبد الله القرطبيّ رحمه الله تعالى فِي "تفسيره" ١٠/ ١٢٧: قوله تعالى: {وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ} الآية، فيه مسألتان:
[الأولى]: قَالَ الطبري: التقدير ومن ثمرات النخيل والأعناب: ما تتخذون، فحذف "ما" ودل عَلَى حذفه قوله:"منه" وقيل: المحذوف شيء، والأمر قريب. وقيل: معنى "منه": أي منْ المذكور، فلا يكون فِي الكلام حذف، وهو أولى، ويجوز أن يكون قوله:"ومن ثمرات" عطفا عَلَى "الأنعام": أي ولكم منْ ثمرات النخيل والأعناب عبرة، ويجوز أن يكون معطوفا عَلَى "مما": أي ونسقيكم أيضاً مشروبات منْ ثمرات.
[الثانية]: قوله تعالى: {سَكَرًا}: السكر ما يُسكر هَذَا هو المشهور فِي اللغة، قَالَ ابن عبّاس: نزلت هذه الآية قبل تحريم الخمر، وأراد بالسكر الخمر، وبالرزق الحسن جميع ما يؤكل، ويشرب حلالاً، منْ هاتين الشجرتين، وَقَالَ بهذا القول ابن جبير، والنخعي، والشعبي، وأبو ثور، وَقَدْ قيل: إن السكر النحل بلغة الحبشة، والرزق الحسن: الطعام، وقيل: السكر العصير الحلو الحلال، وسمي سَكَرا؛ لأنه قد يصير مسكرا إذا بقي، فإذا بلغ الإسكار حرم. قَالَ ابن العربي: أَسَدُّ هذه الأقوال قول ابن عبّاس، ويُخَرَّج ذلك عَلَى أحد معنيين: إما أن يكون ذلك قبل تحريم الخمر، وإما أن يكون المعنى أنعم الله عليكم بثمرات النخيل والأعناب، تتخذون منه ما حرم الله