عليكم؛ اعتداء منكم، وما أحل لكم اتفاقا، أو قصدا إلى منفعة أنفسكم، والصحيح أن ذلك كَانَ قبل تحريم الخمر، فتكون منسوخة، فإن هذه الآية مكية باتفاق منْ العلماء، وتحريم الخمر مدني.
قَالَ القرطبيّ: فعلى أن السكر النحل، أو العصير الحلو، لا نسخ، وتكون الآية محكمة، وهو حسن. قَالَ ابن عبّاس: الحبشة يسمون النحل السكر، إلا أن الجمهور عَلَى أن السكر الخمر، منهم: ابن مسعود، وابن عمر، وأبو رزين، والحسن، ومجاهد، وابن أبي ليلى، والكلبي، وغيرهم، ممن تقدّم ذكرهم كلهم، قالوا: السكر ما حرمه الله منْ ثمرتيهما، وكذا قَالَ أهل اللغة: السكر اسم للخمر، وما يُسكر، وأنشدوا [منْ البسيط]:
والرزق الحسن: ما أحله الله منْ ثمرتيهما. وقيل: إن قوله: {تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا} خبر معناه الاستفهام، بمعنى الإنكار: أي أتتخذون منه سكرا، وتدعون رزقا حسناً، النحل والزبيب والتمر؟ كقوله:{فَهُمُ اَلخلِدُونَ}[الأنبياء: ٣٤]: أي أفهم الخالدون؟ والله أعلم.
وَقَالَ أبو عبيدة: السكر الطعم، يقال: هَذَا سكر لك: أي طعم، وأنشد:
جَعَلْتَ عَيْبَ الأَكْرَمِينَ سَكَرَا
أي جعلت ذمهم طعما. وهذا اختيار الطبري: أن السكر ما يُطعم، وحَلَّ شربه منْ ثمار النخيل والأعناب، وهو الرزق الحسن، فاللفظ مختلف، والمعنى واحد، مثل {إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ}[يوسف: ٨٦]، وهذا حسن، ولا نسخ، إلا أن الزجاج قَالَ: قول أبي عبيدة هَذَا، لا يُعرف، وأهل التفسير عَلَى خلافه، ولا حجة له فِي البيت الذي أنشده؛ لأن معناه عند غيره أنه يصف أنها تتخمر بعيوب النَّاس.
وَقَالَ الحنفيون: المراد بقوده: "سكرًا" ما لا يسكر منْ الأنبذة، والدليل عليه أن الله سبحانه وتعالى امتن عَلَى عباده، بما خلق لهم منْ ذلك، ولا يقع الامتنان إلا بمحلل، لا بمحرم، فيكون ذلك دليلاً عَلَى جواز شرب ما دون المسكر منْ النبيذ، فإذا انتهى إلى السكر لم يجز، وعضدوا هَذَا منْ السنة، بما رُوي عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، أنه قَالَ:"حرم الله الخمر بعينها، والسكر منْ غيرها"، وبما رواه عبد الملك بن نافع، عن ابن عمر، قَالَ: رأيت رجلاً جاء إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وهو عند الركن، ودفع إليه القَدَح، فرفعه إلى فيه، فوجده شديدا، فرده إلى صاحبه، فَقَالَ له حينئذ رجل منْ القوم: يا رسول الله أحرام هو؟ فَقَالَ:"عليّ بالرجل"، فأتي به، فأخذ منه القدح، ثم دعا له بماء، فصبه فيه، ثم