تكون إلا منْ العنب، وأن الحق أنها تطلق عَلَى كل ما أسكر منْ أيّ نوع كَانَ-: ما نصه: وإذا ثبت أن كلّ ذلك يقال عليه خمر، فليزمه تحريم قليله وكثيره، ولا يحلّ شيء منه تمسّكًا بتحريم مسمّى الخمر، ولا مخصّص، ولا مفصل يصحّ فِي ذلك، بل قد وردت الأحاديث الصحيحة، والحسان بالنصّ عَلَى أن ما حُرّم كثيره، حرّم قليله. رَوَى الترمذيّ منْ حديث جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما، قَالَ: قَالَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما أسكر كثيره، فقليله حرام"، قَالَ: هَذَا حديث حسنٌ غريب. وروى أبو داود عن عائشة رضي الله تعالى عنها، قالت: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول:"كل مسكر حرام، وما أسكر منه الْفَرَق، فملء الكفّ منه حرام"، وإسناده صحيح.
وأما الأحاديث التي تمسك بها المخالف، فلا يصحّ شيء منها عَلَى ما قد بيّن عِلَلَها المحدّثون فِي كتبهم، وليس فِي الصحاح شيء منها. ثم العجب منْ المخالفين فِي هذه المسألة، فإنهم قالوا: إن القليل منْ الخمر المعتصر منْ العنب حرام ككثيره، وهو مجمع عليه، فإذا قيل لهم: فلم حُرّم القليل منْ الخمر، وليس مذهبًا للعقل؟ فلابدّ أن يقال: لأنه داعية إلى الكثير، أو للتعبد، فحينئذ يقال لهم: كلُّ ما قدّرتموه فِي قليل الخمر هو بعينه موجود فِي قليل النبيذ، فيحرُم أيضًا، إذ لا فارق بينهما، إلا مجرد الاسم، إذا سُلّم ذلك.
وهذا القياس أرفع أنواع القياس؛ لأن الْفَرَع فيه مساو للأصل فِي جميع أوصافه، وهذا كما نقوله فِي قياس الأمة عَلَى العبد فِي سراية العتق.
ثم العجب منْ أبي حنيفة رحمه الله تعالى وأصحابه، فإنهم يتوغّلون فِي القياس، ويُرجّحونه عَلَى أخبار الآحاد، ومع ذلك، فقد تركوا هَذَا القياس الجليّ المعضود بالكتاب والسنّة، وإجماع صدر الأمة. انتهى كلام القرطبيّ رحمه الله تعالى "المفهم" ٥/ ٢٥٢ - ٢٥٣. وهو تحقيق نفيس، وبحث أنيس. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسألتان تتعلّقان بهذا الْحَدِيث:
(المسألة الأولى): فِي درجته:
حديث عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما هَذَا صحيح.
(المسألة الثانية): فِي بيان مواضع ذكر المصنّف له، وفيمن أخرجه معه:
أخرجه هنا -٢٥/ ٥٦٠٩ - وفي "الكبرى" ٢٦/ ٥١١٧. وأخرجه (ق) فِي "الأشربة" ٣٣٩٤ (أحمد) فِي "مسند المكثرين" ٦٥٢٢ و٦٦٣٦. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.