للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

شرح الْحَدِيث

(عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) -رضي الله عنه-، أنه (قَالَ: عَلِمْتُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، كَانَ يَصُومُ) أي صوم تطوّع (فَتَحَيَّنْتُ فِطْرَهُ) أي فراعيتُ، وطلبتُ وقت فطره، فأتيته (بِنَبِيذٍ صَنَعْتُهُ لَهُ، فِي دُبَّاءٍ) بضم الدال المهملة، وتشديد الموحّدة: هي القرعة (فَجِئْتُهُ بِهِ) أي بذلك النبيذ (فَقَالَ) -صلى الله عليه وسلم- (أَدْنِهِ) بقطع الهمزة، منْ الإدناء: أي قرّبه منّي، حَتَّى أعلم أنه صالح للشرب، أم لا؟ (فَأدْنَيتُهُ مِنْهُ) بقطع الهمزة أيضاً: أي قرّبته منْ النبيّ -صلى الله عليه وسلم- (فَإِذَا هُوَ يَنِشُّ) بكسر النون، وتشديد المعجمة، منْ باب ضرب: أي يغلي، قَالَ فِي "القاموس": "النشيش: صوت الماء وغيره إذا غَلَى. انتهى. و"إذا": هي الفجائية: أي ففجاءني نشّه (فَقَالَ) -صلى الله عليه وسلم- (اضْرِب بِهَذَا) النبيذ (الْحَائِطَ) أي البستان: أي اصببه، وأرقه فيه (فَإِنَّ هَذَا) الفاء تعليليّة؛ أي لأن هَذَا النبيذ (شَرَابُ مَن لَا يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ) أي شراب الكفّار، وهذا كقوله -صلى الله عليه وسلم- فِي حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- المتّفق عليه: "ولا يشرب الخمر حين يشربها، وهو مؤمن"، وَقَدْ تقدّم البحث عنه، مستوفًى فِي "كتاب قطع السارق" ١/ ٤٨٧٢ - وأن الأصحّ فِي معناه: أنه إن استحلّه يخرج منْ الإيمان حقيقة، باستحلاله الحرام، وإلا فمعناه أنه ناقص الإيمان. والله تعالى أعلم.

(قَالَ أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ) أي النسائيّ رحمه الله تعالى (وَفِي هَذَا) الْحَدِيث (دَلِيلٌ عَلَى تَحْريمِ المسكِرِ) هكذا فِي النسخة "الهنديّة" وهو الذي فِي "الكبرى ووقع فِي بقية النسخ بلفظ: "السَّكَرِ" -بفتحتين-: هو عصير الرُّطَب إذا اشتدّ. (قَلِيلِهِ وَكَثِيرِهِ) بالجرّ بدلٌ، أو عطف بيان منْ المسكر (وَلَيْسَ كَمَا يَقُولُ) وفي "الكبرى": "كما يقول له" (الْمُخَادِعُونَ لِأَنْفُسِهِمْ) أي الذين يريدون لها المكروه، وهم لا يعلمون، قَالَ فِي "القاموس": خَدَعه، كمنعه خَدْعًا، ويُكسر: خَتَله، وأراد به المكروه منْ حيث لا يعلم. انتهى.

أراد المصنّف رحمه الله تعالى أن هؤلاء الذين يحتالون فِي استحلال شرب المسكر بحيل باطلة، وتأويلات عاطلة، كأنهم يريدون إيقاع أنفسهم فِي المكروه، وهو العذاب الأليم، وهم لا يشعرون، حيث إنهم أرادوا بذلك نفع أنفسهم بشرب ما تتلذّذ به، وهي لذة فانية، فيخسرون اللذّة الدائمة، وهي لذّة خمر الجنة، كما سيأتي ٤٦/ ٥٦٧٥ - منْ حديث ابن عمر رضي الله عنهما، قَالَ: قَالَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "منْ شرب الخمر فِي الدنيا، فمات، وهو يدمنها , لم يتب منها , لم يشربها فِي الآخرة".

(بِتَحْرِيمِهِمْ) متعلّقْ بـ"يقولون" (آخِرَ الشَّرْبَةِ) بنصب "آخر" عَلَى أنه مفعول به لـ"تحريم"، و"الشَّرْبة" بفتح، فسكون: المرة منْ الشرب (وَتَحْلِيلِهِمْ) بالجرّ عطفًا عَلَى "تحريمهم وقوله: (مَا تَقَدَّمَهَا) مفعول "تحليلهم". وقوله: (الَّذِي يُشْرَبُ) بالبناء