للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

سنة (٧٧٠ هـ) الذي أعزو إليه غالب النقول اللغوية فِي هَذَا الشرح؛ لوجازته مع إتقانه، فائدة تتعلق بهذا الموضوع، حيث قَالَ فِي كتابه الممتع "المصباح المنير فِي غريب الشرح الكبير": ما نصّه:

وُيروى "ما أسكر كثيره، فقليله حرام"، ونُقل عن بعضهم أنه أعاد الضمير عَلَى "كثيره"، فيبقى المعنى عَلَى قوله: "فقليل الكثير حرام، حَتَّى لو شرب قدحين منْ النبيذ مثلاً، ولم يَسْكَر بهما، وكان يسكر بالثالث، فالثالث كثير، فقليل الثالث، وهو الكثير حرام، دون الأولين.

وهذا كلام منحرف عن اللسان العربي؛ لأنه إخبار عن الصلة دون الموصول، وهو ممنوع باتفاق النحاة، وَقَدْ اتّفقوا عَلَى إعادة الضمير منْ الجملة عَلَى المبتدإ لِيُرْبَطَ به الخبرُ، فيصيرُ المعنى: الذي يسكر كثيره، فقليل ذلك الذي يسكر كثيره حرام. وَقَدْ صَرّح به فِي الْحَدِيث، فَقَالَ: "كلُّ مسكر حرام، وما أسكر الفرق منه، فملء الكفّ منه حرام". ولأن الفاء جواب لما فِي المبتدإ منْ معنى الشرط، والتقدير: مهما يكن منْ شيء يسكر كثيره، فقليل ذلك الشيء حرام. ونظيره: الذي يقوم غلامه فله درهم، والمعنى: فلذلك الذي يقوم غلامه، ولو أعيد الضمير عَلَى الغلام بقي التقدير: الذي يقوم غلامه، فللغلام درهم، فيكون إخبارًا عن الصلة دون الموصول، فيبقى المبتدأ بلا رابط، فتأمله، وفيه فساد منْ جهة المعنى أيضاً؛ لأنه إذا أريد: فقليل الكثير حرام يبقى مفهومه: فقليل القليل غير حرام، فيؤدّي إلى إباحة ما لا يُسكر منْ الخمر، وهو مخالفٌ للإجماع. انتهى كلام الفيّوميّ "المصباح المنير" ١/ ٢٨٣.

قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: هَذَا الذي قاله الفيّوميّ رحمه الله تعالى تحقيق نفيسٌ جدًّا، يقطع دابر المفسدين الذين يقولون: إن المحرّم هو الشربة الأخيرة، حيث تبيّن به أن ما تمسّكوا به منْ التمويهات الباطلة، لا يؤيّده النقل اللغويّ، كما أن النصوص الصحيحة تنابذه. {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ} [آل عمران: ٨]. اللَّهمّ أرنا الحقّ حقًّا، وارزقنا اتّباعه، وأرنا الباطل باطلاً، وارزقنا اجتنابه. آمين آمين آمين. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.

مسائل تتعلّق بهذا الْحَدِيث:

(المسألة الأولى): فِي درجته:

حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- هَذَا صحيحٌ.

(المسألة الثانية): فِي بيان مواضع ذكر المصنّف له، وفيمن أخرجه معه: