رضي الله تعالى عنها، فمدنيّة. (ومنها): أن فيه ثلاثة منْ التابعين يروي بعضهم عن بعض: حماد، وسليمان، عن إبراهيم، عن الأسود. (ومنها): أن فيه عائشة رضي الله تعالى عنها منْ المكثرين السبعة، روت (٢٢١٠) أحاديث. والله تعالى أعلم.
شرح الْحَدِيث
(عَنْ عَائِشَةَ) رضي الله تعالى عنها، أنها (قالَتْ: نَهَى رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، عَنِ الدُّبَّاءِ، وَالْمُزَفَّتِ) أي عن الانتباذ فيهما، وفي رواية معاذة، عن عائشة وضي الله تعالى عنها الآتية فِي ٣٤/ ٥٦٤٢ - : أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نهى عن نبيذ النقير، والمقيّر، والدبّاء، والحنتم".
وفي رواية البخاريّ منْ طريق جرير، عن منصور، عن إبراهيم، قلت للأسود: هل سألت عائشة أم المؤمنين عما يُكره أن يُنتبذ فيه؟ فَقَالَ: نعم، قلت: يا أم المؤمنين عمّ نهى النبيّ -صلى الله عليه وسلم- أن يُنتبذ فيه؟ قالت: نهانا فِي ذلك أهل البيت، أن ننتبذ فِي الدبّاء، والمزفّت، قلت: أما ذكرت الجرّ، والحنتم؟ قَالَ: إنما أحدّثك ما سمعتُ، أفاحدّثك ما لم أسمع؟. انتهى.
قَالَ فِي "الفتح" ١١/ ١٨٧: قوله:، "أما ذكرت": القائل هو إبراهيم. وإنما استفهم إبراهيم عن الجر والحنتم؛ لاشتهار الْحَدِيث بالنهي عن الانتباذ فِي الأربعة، ولعل هَذَا هو السر فِي التقييد بأهل البيت، فإن الدباء، والمزفت، كَانَ عندهم متيسرا، فلذلك خص نهيهم عنهما. انتهى.
[تنبيه]: الفرق بين الأسقية منْ الأدم، وبين غيرها، أن الأسقية يتخلَّلها الهواء منْ مسامها، فلا يسرع إليها الفساد، مثل ما يسرع إلى غيرها منْ الجرار ونحوها، مما نُهي عن الانتباذ فيه، وأيضاً فالسقاء إذا نُبذ فيه، ثم رُبط أُمنت مفسدة الإسكار بما يشرب منه؛ لأنه متي تغير، وصار مسكرا شَقّ الجلد، فلما لم يشقه فهو غير مسكر، بخلاف الأوعية؛ لأنها قد تُصَيِّر النبيذ فيها مسكرا , ولا يُعلَم به.
وأما الرخصة فِي بعض الأوعية دون بعض، فمن جهة المحافظة عَلَى صيانة المال؛ لثبوت النهي عن إضاعته؛ لأن التي نُهي عنها يسوع التغير إلى ما يُنبذ فيها، بخلاف ما أُذن فيه، فإنه لا يسرع إليه التغير، ولكن حديث بُريدة -رضي الله عنه- الآتي بعد نحو ثمانية أبواب ظاهر فِي تعميم الإذن فِي الجميع، ويفيد أن لا يشربوا المسكر، فكأن الأمن حصل بالإشارة إلى ترك الشرب منْ الوعاء ابتداء، حَتَّى يُختَبَر حاله، هل تغير أو لا؟ فإنه لا يتعين الاختبار بالشرب، بل يقع بغير الشرب، مثل أن يصير شديد الغليان، أو يقذف بالزبد، ونحو ذلك. أفاده فِي "الفتح" ١١/ ١٨٧. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه