أفواهها فِي جنوبها يُجلب فيها الخمر منْ الطائف، وكان ناس ينتبذون فيها يضاهون به الخمر. [والسادس]: عن عطاء جِرَار كانت تُعمل منْ طين وشعر ودم.
وأما معنى النهي عن هذه الأربع، فهو أنه نهي عن الانتباذ فيها، وهو أن يُجعل فِي الماء حبات، منْ تمر، أو زبيب، أو نحوهما؛ ليحلو ويُشرَب، وإنما خُصّت هذه بالنهي؛ لأنه يُسرع الإسكار فيها، فيصير حراما نجسا، وتبطل ماليته، فنُهي عنه؛ لما فيه منْ إتلاف المال، ولأنه ربما شربه بعد إسكاره مَن لم يَطّلع عليه، ولم يَنهَ عن الانتباذ فِي أسقية الأدم، بل أَذِنَ فيها؛ لأنها لرِقّتها لا يخفى فيها المسكر، بل إذا صار مسكرا شقها غالباً.
ثم إن هَذَا النهي كَانَ فِي أول الأمر، ثم نسخ بحديث بُريدة رضي الله عنه، أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "كنت نهيتكم عن الانتباذ، إلا فِي الأسقية، فانتبذوا فِي كل وعاء، ولا تشربوا مسكرا"، رواه مسلم فِي "صحيحه".
قَالَ النوويّ رحمه الله تعالى: هَذَا الذي ذكرناه منْ كونه منسوخًا، هو مذهبنا، ومذهب جماهير العلماء، قَالَ الخطّابيّ: القول بالنسخ هو أصح الأقاويل، قَالَ: وَقَالَ قوم: التحريم باق، وكرهوا الانتباذ فِي هذه الأوعية، وذهب إليه مالك، وأحمد، وإسحاق، وهو مرويّ عن ابن عمر، وعباس رضي الله عنهم. انتهى "شرح مسلم" ١/ ١٨٦. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسألتان تتعلّقان بهذا الْحَدِيث:
(المسألة الأولى): فِي درجته:
حديث عائشة رضي الله تعالى عنها هَذَا أخرجه مسلم.
(المسألة الثانية): فِي بيان مواضع ذكر المصنّف له، وفيمن أخرجه معه:
أخرجه هنا -٣٤/ ٥٦٤٠ و٥٦٤١ و٥٦٤٢ و٥٦٤٣ - وفي "الكبرى" ٣٥/ ٥١٤٧ و٥١٤٨ و٥١٤٩ و٥١٥٠ و٥١٥١. وأخرجه (م) ١٩٩٥. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.
٥٦٤٢ - (أَخْبَرَنَا زِيَادُ بْنُ أَيُّوبَ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُلَيَّةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ سُوَيْدٍ، عَنْ مُعَاذَةَ، عَنْ عَائِشَةَ، رضى الله عنها، قَالَتْ: نَهَى عَنِ الدُّبَّاءِ بِذَاتِهِ).
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: رجال هَذَا الإسناد كلهم رجال الصحيح، وتقدّموا غير مرّة. و"زياد بن أيوب": هو الحافظ المعروف بدلّويه.
و"إسحاق بن سُوَيد" بن هُبيرة العدوي التميمي البصريّ، صدوقٌ تُكُلّم فيه للنصب [٣].