للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قَالَ فِي "الفتح": قوله: "لما نهى النبيّ -صلى الله عليه وسلم- عن الأسقية" كذا وقع فِي هذه الرواية، وَقَدْ تفطن البخاريّ لما فيها، فَقَالَ بعد سياق الْحَدِيث: حدثني عبد الله بن محمد، حدثنا سفيان بهذا، وَقَالَ: "عن الأوعية"، وهذا هو الراجح، وهو الذي رواه أكثر أصحاب ابن عيينة عنه، كأحمد، والحميدي، فِي "مسنديهما"، وأبي بكر بن أبي شيبة، وابن أبي عمر، عند مسلم، وأحمد بن عبدة، عند الإسماعيلي وغيرهم. وَقَالَ عياض: ذِكْرُ الأسقية وَهَمٌ منْ الراوي، وإنما هو "عن الأوعية"؛ لأنه -صلى الله عليه وسلم- لم ينه قط عن الأسقية، وإنما نَهَى عن الظروف، وأباح الانتباذ فِي الأسقية، فقيل له: ليس كل النَّاس يجد سقاء"، فاستثنى ما يُسكر، وكذا قَالَ لوفد عبد القيس لَمّا نهاهم عن الانتباذ فِي الدباء وغيرها قالوا: ففيم نشرب؟ قَالَ: "فِي أسقية الأدم قَالَ: ويحتمل أن تكون الرواية فِي الأصل كانت: "لما نهى عن النبيذ إلا فِي الأسقية"، فسقط منْ الرواية شيء انتهى. وسبقه إلى هَذَا الحميدي، فَقَالَ فِي "الجمع" لعله نقص منْ لفظ المتن، وكان فِي الأصل: "لما نهى عن النبيذ إلا فِي الأسقية". وَقَالَ ابن التين: معناه: لما نهى عن الظروف إلا الأسقية، وهو عجيب، والذي قاله الحميدي أقرب، وإلا فحذف أداة الاستثناء مع المستنثى منه، وإثبات المستثنى غير جائز، إلا إن ادعَى ما قَالَ الحميدي أنه سقط عَلَى الراوي. وَقَالَ الكرماني: يحتمل أن يكون معناه: لما نهى فِي مسألة الأنبذة عن الجرار بسبب الأسقية، قَالَ: ومجيء "عن" سببية شائع، مثل يَسمَنون عن الأكل: أي بسبب الأكل، ومنه: {فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا} [البقرة: ٣٦] أي بسببها.

قَالَ الحافظ: ولا يخفى ما فيه، ويظهر لي أن لا غلط، ولا سقط، وإطلاق السقاء عَلَى كل ما يُسقى منه جائز، فقوله: "نهى عن الأسقية" بمعنى الأوعية؛ لأن المراد بالأوعية الأوعية التي يُستقى منها، واختصاص اسم الأسقية بما يتخذ منْ الأدم، إنما هو بالعرف. وَقَالَ ابن السكيت: السقاء يكون للبن والماء، والْوَطْب -بالواو: للبن خاصة، والنِّحْيُ -بكسر النون، وسكون المهملة-: للسمن، والقِرْبة للماء. وإلا فمن يجيز القياس، فِي اللغة لا يمنع ما صَنَع سفيان، فكأنه كَانَ يرى استواء اللفظين، فحدث به مرة هكذا، ومرارا هكذا، ومن ثم لم يَعُدّها البخاريّ وَهَمًا. انتهى.

(رَخَّصَ) وفي رواية: "فأرخص" با لهمز، وهي لغة، يقال: أرخص، ورَخّص، وفي رواية ابن أبي شيبة: "فأذن لهم فِي شيء منه" (فِي الْجَرِّ) أي فِي الانتباذ فيه، وهو بفتح الجيم، وتشديد الراء: إناء معروفٌ، جمعه: جِرارٌ بالكسر، مثلُ كلب وكِلاب (غَيْرَ مُزَفَّتٍ) بالنصب عَلَى الحالية، وفي رواية البخاريّ: "غير المزَفّت"، وعليه يكون مجرورَا عَلَى الوصفيّة. والمزفّتُ: هو المطليّ بالزفت بالكسر، وهو القار، فهو بمعنى