للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

أخبرني سعيد بن المسيّب أنه سمع أبا هريرة -رضي الله عنه- أنه (قَالَ: "أُتِيَ) بالبناء للمفعول (رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، لَيْلَةَ أُسْرِيَ بهِ) ظرف لـ"أُتي"، زاد فِي رواية البخاريّ: "بإيلياء"، وهو بكسر الهمزة، وسكون التحتانية، وكسر اللام، وفتح التحتانية الخفيفة، معِ المد- هي مدينة بيت المقدس. قَالَ الحافظ رحمه الله تعالى: وهو ظاهر فِي أن عَرْضَ ذلك عَلَى النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وقع وهو فِي بيت المقدس، لكن وقع فِي رواية الليث بلفظ: "إلى أيلياء"، وليست صريحة فِي ذلك؛ لجواز أن يريد تعيين ليلة الايتاء، لا محله. انتهى.

(بقَدَحَيْنِ) بفتحتين: إناء معروف، والجمع أقداح، مثلُ سبب وأسباب. قاله فِي "المصباح"، وفي "القاموس": ما يُفيد أنه إناء يُروي رجلين. (مِنْ خَمْرٍ وَلَبَنٍ، فَنَظَرَ إِلَيْهِمَا، فَأخَذَ اللَّبَنَ، فَقَالَ لَهُ جِبْريلُ عَلَيْهِ السَّلَام: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَاكَ لِلْفِطْرَةِ) أي لِمَا جُبل عَلَى حبِّه الإنسان، إذا لم يُعارضه العارض، وبقي عَلَى السلامة، وهو أول غذاء للإنسان، فإن الطفل لا يُغذّى إلا به. قاله السنديّ. وَقَالَ فِي "الفتح" ١١/ ١٥٣: المراد بالفطرة هنا الاستقامة عَلَى الدين الحق.

وفي رواية للبخاريّ فِي "باب المعراج"- منْ كتاب "مناقب الأنصار": "ثم أُتيت بإناء منْ خمر، وإناء منْ لبن، وإناء منْ عسل، فأخذتُ اللبن، فَقَالَ: هي الفطرة التي أنت عليها"، أي دين الإسلام.

قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: فتبّين بهذا أن المراد منْ "الفطرة" هنا دين الإسلام، لا الفطرة الجبليّة كما أشار إليه السنديّ. والله تعالى أعلم.

(لَوْ أَخَذْتَ الْخَمْرَ غَوَتْ أُمَّتُكَ) أي لأنها تشارك فِي الاسم خمر الدنيا التي هي أم الخبائث، فيكون دليلاً عَلَى حصول الخبث للأمة.

قَالَ الحافظ ابن عبد البرّ رحمه الله تعالى: يحتمل أن يكون -صلى الله عليه وسلم- نَفَر منْ الخمر؛ لأنه تَفَرّس أنها ستحرم؛ لأنها كانت حينئذ مباحة، ولا مانع منْ افتراق مباحين مشتركين فِي أصل الإباحة، فِي أن أحدهما سيحرم، والآخر تستمر إباحته.

وَقَالَ الحافظ رحمه الله تعالى: ويحتمل أن يكون نفر منها؛ لكونه لم يَعْتَدْ شربها فوافق بطبعه ما سيقع منْ تحريمها بعدُ حفظًا منْ الله تعالى له ورعاية، واختار اللبن لكونه مألوفا له، سهلا طيبا طاهرا، سائغا للشاربين، سليم العاقبة، بخلاف الخمر فِي جميع ذلك.

وَقَالَ القرطبيّ رحمه الله تعالى: يحتمل أن يكون سبب تسمية اللبن فطرة؛ لأنه أول شيء يدخل بطن المولود، ويشق أمعاءه، والسر فِي ميل النبيّ -صلى الله عليه وسلم- إليه دون غيره؛ لكونه كَانَ مألوفا له، ولأنه لا ينشأ عن جنسه مفسدة.