فيحد فيها ثالثة، ثم يشربها الرابعة، فقالت طائفة: يُقتل، وقالت طائفة: لا يقتل، ثم أخرج بسنده عن عبد الله بن عمرو بن العاصي رضي الله تعالى عنهما، أنه قَالَ: ائتوني برجل أقيم عليه حد فِي الخمر، فإن لم أقتله فأنا كاذب.
وَقَالَ مالك، والشافعي، وأبو حنيفة وغيرهم: أن لا قتل عليه، وذكروا ذلك عن عمر بن الخطاب، وسعد بن أبي وقاص. ثم أخرج بسنده عن معاوية بن أبي سفيان رضي الله تعالى عنهما، قَالَ: قَالَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا شربوا الخمر فاجلدوهم، ثم إن شربوا فاجلدوهم، ثم إن شربوا فاقتلوهم". وفي رواية قَالَ فِي شارب الخمر:"إن شرب فاجلدوه، ثم إن شرب فاجلدوه، ثم إن شرب الرابعة فاضربوا عنقه".
ثم أخرج عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قَالَ:"منْ شرب الخمر فاجلدوه، ثم إذا شرب فاجلدوه، ثم إذا شرب فاجلدوه، ثم إذا شرب فاقتلوه".
قَالَ: فهذان طريقان فِي نهاية الصحة. قَالَ: وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيث أيضًا شرحبيل بن أوس، وعبد الله بن عمرو بن العاص، وأبو غطيف الكندي كلهم عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-.
قَالَ: فكانت الرواية فِي ذلك عن معاوية، وأبي هريرة ثابتة تقوم بها الحجة وبالله تعالى التوفيق.
قَالَ: فنظرنا فيما احتج به المخالفون، فوجدناهم يقولون: إن هَذَا الخبر منسوخ، وذكروا فِي ذلك حديث جابر بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما، عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، قَالَ:"إذا شرب الرجل فاجلدوه، فإن عاد فاجلدوه، فإن عاد فاجلدوه، فإن عاد الرابعة فاقتلوه"، فأُتي رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- برجل منا فلم يقتله. وعن جابر -رضي الله عنه-، قَالَ: قَالَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "منْ شرب الخمر فاضربوه، فإن عاد فاضربوه، فإن عاد فاضربوه، فإن عاد فِي الرابعة فاضربوا عنقه"، فضرب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- نعيمان أربع مرات. فرأى المسلمون أن الحد قد رُفع وأن القتل قد رُفع. ثم أخرج بسنده عن ابن شهاب الزهريّ أن قبيصة بن ذؤيب حدثه، أنه بلغه عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قَالَ لشارب الخمر: "إن شرب فاجددوه، ثم إن شرب فاجلدوه، ثم إن شرب فاجلدوه، ثم إن شرب فاقتلوه، فأُتي برجل قد شرب ثلاث مرات فجلده، ثم أتى به فِي الرابعة فجلده، ووضع القتل عن النَّاس. ثم أخرج عن ابن عيينة، قَالَ: سمعت ابن شهاب يقول لمنصور بن المعتمر: كن (١) وافد أهل العراق بهذا الخبر، يعني حديث قبيصة بن ذؤيب هَذَا. ثم أخرج منْ طريق سعيد بن
(١) هكذا نسخة "المحلى": "منْ وافد أهل العراق"، والظاهر أن الصواب "كن وافد أهل العراق"، كما تُفيده عبارة "نيل الأوطار" ٧/ ١٥٦.