للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

شرح الْحَدِيث

(عَنْ مَسْرُوقٍ) بن الأجدع بن مالك الهمدنيّ الوادعيّ، أبي عائشة الكوفيّ الثقة الفقيه العابد المخضرم، تقدّم فِي ٩٠/ ١١٢ (قَالَ) مسروق (الْقَاضِي إِذَا أَكَلَ الْهَدِيَّةَ، فَقَدْ أَكَلَ السُّحْتَ) بضمتين، ويخفف بتسكين الثاني: هو كلّ مال حرام، لا يحلّ كسبه، ولا أكله. قاله الفيّوميّ.

وَقَالَ السنديّ رحمه الله تعالى: قوله: قَالَ: القاضي الخ" ضمير "قَالَ" لمسروق، و"القاضي" حينئذ مبتدأ ما بعده خبره، يريد أن هدية القاضي حرام فضلاً عن رشوته، وأما الرشوة فعند أهل الورع مثل الكفر فِي الفرار عنه. انتهى "شرح السنديّ" ٨/ ٣١٤ - ٣١٥.

(وَإِذَا قَبِلَ الرِّشْوَةَ) بالكسر: هو ما يُعطيه الشخص الحاكم وغيره ليحكم له، أو يحمله عَلَى ما يريد، وجمعها رِشًا، مثلُ سدْرة وسِدَر، والضم لغة، وجمعها رُشًا بالضم أيضًا، وَرشوته رَشْوًا منْ باب قتل: إذا أعطيته رشوةً، فارتشى: أي أخذ. قاله فِي "المصباح"، وفي "القاموس": الرشوة مثلّثةً: الْجُعْلُ، جمعه رُشا، ورِشا. انتهى (بَلَغَتْ بِهِ الْكُفْرَ) هَذَا محمول عَلَى منْ استحلّها، أو المعنى: أن شؤمها يؤول به إلى الكفر نعوذ بالله منه- (وَقَالَ مَسْرُوقٌ: مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ فَقَدْ كَفَرَ) هَذَا أيضًا مؤوّلٌ، وَقَدْ أشار مسروق إلى تأويله بقوله (وَكُفْرُهُ أَنْ لَيْسَ لَهُ صَلَاةٌ) يعني أن معنى كفر شارب الخمر أن صلاته غير مقبولة؛ كما أن أعمال الكافر غير مقبولة مطلقاً، فدلّ عَلَى أن كفره نسبيّ، أي بالنسبة إلى عدم قبول صلاته، لا أنه يرتدّ بذلك عن الإسلام، ويخرج منه، فإن ذلك لا يكون إلا بالاستحلال.

وَقَالَ السنديّ: قوله: "وكفره الخ": يريد أنه كفر مجازًا، بمعنى أن لا تقبل له صلاة، كالكافر لا تقبل صلاته. انتهى. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.

والحديث مقطوع ضعيف؛ لأن خلف بن خليفة اختلط فِي آخره، قَالَ الإمام أحمد: رأيت خلف بن خليفة، وهو مفلوج سنة (١٨٧) قد حُمل، وكان لا يفهم، فمن كتب عنه قديمًا، فسماعه صحيح. انتهى "تهذيب التهذيب" ١/ ٥٤٧. والظاهر أن قتيبة، وعلي بن حجر ممن أخذ عنه بعد اختلاطه، أو لم يتبّين، فالحديث ضعيف. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

"إن أريد إلا الإصلاح ما استطعت، وما توفيقي إلا بالله، عليه توكّلت، وإليه أنيب".

***