[تنبيه]: قد تكلّم الإمام الدارقطنيّ رحمه الله تعالى فِي "سننه" ج: ٤ ص: ٢٥٩ فِي هَذَا الْحَدِيث كما تكلم فيه المصنّف رحمه الله تعالى، مع اختلاف قليلٍ بينهما، وذلك نصّه:
٦٦ - حدثنا أبو القاسم بن زكريا المحاربي، نا عبد الأعلي بن واصل، نا أبو غسان، نا أبو الأحوص، عن سماك، عن القاسم بن عبد الرحمن، عن أبيه، عن أبي بردة، قَالَ: سمعت النبيّ -صلى الله عليه وسلم- يقول:"اشربوا فِي المزفت، ولا تَسْكَروا".
وَهِمَ فيه أبو الأحوص فِي إسناده ومتنه، وَقَالَ غيره: عن سماك، عن القاسم، عن ابن بُريدة عن أبيه:"ولا تَشرَبوا مسكرًا".
٦٧ - حدثنا عثمان بن أحمد الدقاق، نا يحيى بن عبد الباقي، نا لُوَين، نا محمد بن جابر، عن سماك، عن القاسم بن عبد الرحمن، عن ابن بُرَيدة، عن أبيه، عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ:"نهيتكم عن الظروف، فاشربوا فيما شئتم، ولا تَسكَرُوا".
رواه غيره عن محمد بن جابر، فَقَالَ:"ولا تشربوا مسكرا"، وَقَالَ ذلك يحيى بن يحيي النيسابوري، وهو إمام، عن محمد بن جابر.
٦٨ - حدثنا عليّ بن أحمد بن الهيثم، نا أحمد بن إبراهيم القوهستاني، نا يحيى بن يحيى، نا محمد بن جابر، عن سماك، عن القاسم بن عبد الرحمن، عن ابن بُريدة، عن أبيه، عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ:"كنا نهيناكم عن الشرب فِي الأوعية، فاشربوا فِي أي سقاء شئتم، ولا تشربوا مسكرا"، وهذا هو الصواب، والله أعلم. انتهى كلام الدارقطنيّ رحمه الله تعالى.
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: حاصل ما أشار إليه الدارقطنيّ رحمه الله تعالى أن أرجح روايات سماك رواية يحيى بن يحيى، عن محمد بن جابر، عن سماك، عن القاسم، عن ابن بُريدة، عن أبيه، عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ:"كنّا نهيناكم عن الشرب فِي الأوعية، فاشربوا فِي أيّ سِقَاء شئتم، ولا تشربوا مسكرًا".
وإنما رجّح هذه الرواية لأمرين: أحدهما: ما صرّح به، هو أن يحيي أحفظ وأتقن منْ غيره. والثاني: أن لفظ الْحَدِيث يوافق معنى ما صحّ فِي الروايات الصحيحة منْ قوله -صلى الله عليه وسلم-: "كلّ مسكر حرام"، وقوله:"ما أسكر كثيره، فقليله حرام"، وغير ذلك، بخلاف رواية:"لا تسكروا"، فإنها نصّ فِي تحريم السُّكْر، وليست نصًا فِي تحريم شرب المسكر، وهذا خلاف النصوص الكثيرة الصحيحة، عَلَى أنه يمكن أن يُحمل عَلَى معنى لا تشربوا مسكرًا؛ توفيقًا بين الروايات.
والحاصل أن رواية "لا تسكروا" غير صحيحة؛ لما سبق آنفًا، وعلى تقدير صحتها