للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ابن منصور، عن ابن عيينة، عن الزهريّ، سمع السائب بن يزيد يقول: قام عمر عَلَى المتبر، فَقَالَ: ذُكر لي أن عبيد الله بن عمر وأصحابه شربوا شرابا، وأنا سائل عنه، فإن كَانَ لسكر حددتهم، قَالَ ابن عيينة: فأخبرني معمر، عن الزهريّ، عن السائب، قَالَ: فرأيت عمر يجلدهم.

قَالَ الحافظ رحمه الله تعالى: وهذا الأثر يؤيد ما قدمته، أن المراد بما أحده عمر منْ المطبوخ الذي يسمى الطلاء، ما لم يكن بلغ حد الإسكار، فإن بلغه لم يحل عنده، ولذلك جلدهم، ولم يستفصل هل شربوا منه قليلا أو كثيرا، وفي هَذَا رد عَلَى منْ احتج بعمر فِي جواز شرب المطبوخ إذا ذهب منه الثلثان ولو أسكر، فإن عمر -رضي الله عنه- أَذِن فِي شربه، ولم يفصل. وتُعقب بأن الجمع بين الأثرين عنه، يقتضى التفصيل، وَقَدْ ثبت عنده: أن كل مسكر حرام، فاستغنى عن التفصيل.

ويحتمل أن يكون سأل ابنه، فاعترف بأنه شرب كذا، فسأل غيره عنه، فأخبره أنه يسكر، أو سأل ابنه فاعترف أن الذي شرب يسكر، وَقَدْ بين ذلك عبد الرزاق فِي روايته، عن معمر، فَقَالَ عن الزهريّ، عن السائب: شهدت عمر -رضي الله عنه- صلى عَلَى جنازة، ثم أقبل علينا، فَقَالَ: إني وجدت منْ عبيد الله بن عمر ريح شراب، وإني سألته عنه، فزعم أنه الطلاء، وإني سائل عن الشراب الذي شرب، فإن كَانَ مسكرا جلدته، قَالَ: فشهدته بعد ذلك يجلده.

قَالَ الحافظ: وهذا السياق يوضح أن رواية ابن جريج التي أخرجها عبد الرزاق أيضًا عنه، عن الزهريّ مختصرة منْ هذه القصة، ولفظه: عن السائب أنه حضر عمر يجلد رجلا وجد منه ريح شراب، فجلده الحد تاما، فإن ظاهره أنه جلده بمجرد وجود الريح منه، وليس كذلك لما تبين منْ رواية معمر، وكذلك ما أخرجه ابن أبي شيبة منْ طريق ابن أبي ذئب، عن الزهريّ، عن السائب، أن عمر كَانَ يضرب فِي الريح، فإنها أشد اختصارا، وأعظم لبسًا، وَقَدْ تبين برواية معمر، أن لا حجة فيه لمن يُجَوِّز إقامة الحد بوجود الريح.

واستدل به النسائيّ عَلَى أن الذي نُقل عنه منْ أنه كسر النبيذ بالماء لَمّا شرب منه، فقَطَّب أن ذلك كَانَ لحموضته، لا لاشتداده، ووجه الدلالة أنه عمم وجوب الحد بشرب المسكر، ولم يستفصل منه، هل شرب منه قليلا أو كثيرا، فدل عَلَى أن ذلك النبيذ الذي قطّب منه، لم يكن بلغ حد الإسكار أصلًا.

واستدل به عَلَى جواز إقامة الحد بالرائحة، وَقَدْ نُقِل عن ابن مسعود -رضي الله عنه- أنه عمل به، ونَقَل ابن المنذر عن عمر بن عبد العزيز، ومالك مثله، قَالَ مالك: إذا شهد عدلان