وفي رواية أنه قَالَ: لا أعلم له شيئا إلا خبيثا أو حراما، فَقَالَ: أجيبوه، وَقَدْ صحح الإِمام أحمد هَذَا عن ابن مسعود، ولكنه عارضه عارض بما رُوي عنه أنه قَالَ: الإثم حزاز القلوب. ورُوي عن سلمان مثل قول ابن مسعود الأول، وعن سعيد بن جبير، والحسق البصريّ، ومورق العجليّ، وإبراهيم النخعي، وابن سيرين، وغيرهم، والآثار بذلك موجودة فِي "كتاب الأدب" لحميد بن زنجويه، وبعضها فِي "كتاب الجامع" للخلال، وفي مصنفي عبد الرزاق، وابن أبي شيبة، وغيرهم.
ومتى عُلم أن عين الشيء حرام، أخذ بوجه محرم، فإنه يحرم تناوله، وَقَدْ حَكَى الإجماع عَلَى ذلك ابن عبد البرّ وغيره. وَقَدْ روي عن ابن سيرين فِي الرجل يقضي منْ الربا قَالَ: لا بأس به، وعن الرجل يقضي منْ القمار، قَالَ: لا بأس به، أخرجه الخلال بإسناد صحيح، وروى عن الحسن خلاف هَذَا، وأنه قَالَ: إن هذه المكاسب قد فسدت فخذوا منها ما أشبه المضطر.
وعارض المرويَّ عن ابن مسعود وسلمان ما رُوي عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه، أكل طعاما، ثم أُخبر أنه منْ حرام، فاستقاءه.
وَقَدْ يقع الاشتباه فِي الحكم؛ لكون الْفَرَع مترددا بين أصول تجتذبه، كتحريم الرجل زوجته، فإن هَذَا متردد بين تحريم الظهار، الذي ترفعه الكفارة الكبرى، وبين تحريم الطلقة الواحدة الذي تباح معه الزوجة بعقد جديد بانقضاء عدتها، وبين تحريم الطلاق الثلاث الذي لا تباح معه الزوجة بدون زوج، وإصابة، وبين تحريم الرجل عليه ما أحله الله له منْ الطعام والشراب، الذي لا يحرمه، وإنما يوجب الكفارة الصغرى، أو لا يوجب شيئاً عَلَى الاختلاف فِي ذلك.
فمن هاهنا كثر الاختلاف فِي هذه المسألة، فِي زمن الصحابة، ومن بعدهم، وبكل حال فالأمور المشتبهة التي لا تتبين أنها حلال ولا حرام لكثير منْ النَّاس، كما أخبر به النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، قد يتبين لبعض النَّاس أنها حلال أو حرام؛ لما عنده منْ ذلك منْ مزيد علم.
وكلام النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، يدلّ عَلَى أن هذه المشتبهات، منْ النَّاس منْ يعلمها، وكثير منهم لا يعلمها، فدخل فيمن لا يعلمها نوعان:[أحدهما]: منْ يتوقف فيها لاشتباهها عليه. [والثاني]: منْ يعتقدها عَلَى غير ما هي عليه، ودل الكلام عَلَى أن غير هؤلاء يعلمها، ومراده أنه يعلمها عَلَى ما هي عليه فِي نفس الأمر، منْ تحليل أو تحريم، وهذا منْ أظهر الأدلة عَلَى أن المصيب عند الله، فِي مسائل الحلال والحرام المشتبهة المختلف فيها واحد عند الله عز وجل، وغيره ليس بعالم بها، بمعنى أنه غير مصيب لحكم الله فيها فِي نفس الأمر، وإن كَانَ يعتقد فيها اعتقادا يستند فيه إلى شُبَهٍ يظنها دليلا، ويكون