مأجورا عَلَى اجتهاده، ومغفورا له خطؤه؛ لعدم اعتماده.
زاد فِي رواية الشيخين:"فمن اتقى الشبهات، فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع فِي الشبهات وقع فِي الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه، ألا وإن لكل ملك حمى، إلا وإن حمى الله محارمه".
فأما قوله -صلى الله عليه وسلم-: "فمن اتقى الشبهات، فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع فِي الشبهات وقع فِي الحرام"، فَقَالَ الحافظ ابن رَجَب رحمه الله تعالى: قَسَمَ النَّاس فِي الأمور المشتبهة إلى قسمين، وهذا إنما هو بالنسبة إلى منْ هي مشتبهة عليه، وهو ممن لا يعلمها، فأما منْ كَانَ عالما بها، واتبع ما دله علمه عليها، فذلك قسم ثالث، لم يذكره؛ لظهور حكمه، فإن هَذَا القسم أفضل الأقسام الثلاثة؛ لأنه علم حكم الله فِي هذه الأمور المشتبهة عَلَى النَّاس، واتبع علمه فِي ذلك.
وأما منْ لم يعلم حكم الله فيها فهم قسمان:
[أحدهما]: منْ يتقي هذه الشبهات؛ لاشتباهها عليه، فهذا قد استبرأ لدينه وعرضه.
ومعنى "استبرأ": طلب البراءة لدينه وعرضه منْ النقص والشين، والعرضُ: هو موضع المدح والذم منْ الإنسان، وما يحصل له بذكره بالجميل مدح، وبذكره بالقبيح قدح، وَقَدْ يكون ذلك تارة فِي نفس الإنسان، وتارة فِي سلفه، أو فِي أهله، فمن اتقى الأمور المشتبهة، واجتنبها، فقد حَصّن عرضه منْ القدح والشين الداخل عَلَى منْ لا يجتنبها.
وفي هَذَا دليل عَلَى أن منْ ارتكب الشبهات، فقد عَرّض نفسه للقدح فيه والطعن، كما قَالَ بعض السلف: منْ عرّض نفسه للتهم، فلا يلومَنّ منْ أساء الظن به.
وفي رواية للترمذي فِي هَذَا الْحَدِيث:"فمن تركها استبراء لدينه وعرضه، فقد سلم". والمَعْنَى: أن منْ تركها بهذا القصد، وهو براءة دينه وعرضه عن النقص، لا لغرض آخر فاسد، منْ رياء ونحوه.
وفيه دليل عَلَى أن طلب البراءة للعرض ممدوح، كطلب البراءة للدين، ولهذا ورد:"كلُّ ما وقي به المرء عرضه فهو صدقة".
وفي رواية فِي "الصحيحين" فِي هَذَا الْحَدِيث: "فمن ترك ما يشتبه عليه منْ الإثم، كَانَ لما استبان أترك". يعني أن منْ ترك الإثم مع اشتباهه عليه، وعدم تحققه فهو أولى بتركه إذا استبان له أنه إثم، وهذا إذا كَانَ تركه تحرزا منْ الإثم، فأما منْ يقصد التصنع للناس، فإنه لا يترك إلا ما يظن أنه ممدوح عندهم.
(القسم الثاني): منْ يقع فِي الشبهات مع كونها مشتبهة عنده، فأما منْ أتى شيئا مما