للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

يظنه النَّاس شبهة؛ لعلمه بأنه حلال فِي نفس الأمر، فلا حرج عليه منْ الله فِي ذلك، لكن إذا خشي منْ طعن النَّاس عليه بذلك، كَانَ تركها حينئذ استبراء لعرضه، فيكون حسنا، وهذا كما قَالَ النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، لمن رآه واقفا مع صفية: "إنها صفية بنت حيي"، وخرج أنس إلى الجمعة، فرأى النَّاس قد صلوا ورجعوا، فاستحيا ودخل موضعا لا يراه النَّاس فيه، وَقَالَ: "منْ لا يستحي منْ النَّاس لا يستحيي منْ الله"، وأخرجه الطبراني مرفوعا ولا يصح.

وإن أتى ذلك لاعتقاده أنه حلال، إما باجتهاد سائغ، أو تقليد سائغ، وكان مخطئا فِي اعتقاده فحكمه حكم الذي قبله، فإن كَانَ الاجتهاد ضعيفا، أو التقليد غير سائغ، وإنما حمل عليه مجرد اتباع الهوى، فحكمه حكم منْ أتاه مع اشتباهه عليه، والذي يأتي الشبهات مع اشتباهها عليه، قد أخبر عنه النبيّ -صلى الله عليه وسلم- أنه وقع فِي الحرام، فهذا يفسر بمعنيين:

[أحدهما]: أن يكون ارتكابه للشبهة مع اعتقاده أنها شبهة ذريعة إلى ارتكابه الحرام الذي يعتقد أنه حرام بالتدريج، والتسامح، وفي رواية فِي "الصحيحين" لهذا الْحَدِيث: "ومن اجترأ عَلَى ما يشك فيه منْ الإثم، أوشك أن يواقع ما استبان"، وفي مراسيل أبي المتوكل الناجي، عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: "منْ يرعى بجنبات الحرام، يوشك أن يخالطه، ومن تهاون بالمحقرات يوشك أن يخالط الكبائر".

[والمعنى الثاني]: أن منْ أقدم عَلَى ما هو مشتبه عنده، لا يدري أهو حلال أو حرام، فإنه لا يأمن أن يكون حراما فِي نفس الأمر، فيصادف الحرام، وهو لا يدري أنه حرام، وَقَدْ رُوي منْ حديث ابن عمر رضي الله عنهما، عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، قَالَ: "الحلال بين، والحرام بين، وبينهما مشتبهات، فمن اتقاها كَانَ أنزه لدينه وعرضه، ومن وقع فِي الشبهات، أوشك أن يقع فِي الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى، يوشك أن يواقع الحمى، وهو لا يشعر"، أخرجه الطبراني وغيره (١).

واختلف العلماء هل يطيع والديه فِي الدخول فِي شيء منْ الشبهة، أم لا يطيعهما، فرُوي عن بشير بن الحارث، قَالَ: لا طاعة لهما فِي الشبهة. وعن محمد بن مقاتل العباداني قَالَ: يطيعهما. وتوقف أحمد فِي هذه المسألة، وَقَالَ: يداريهما، وأبى أن يجيب فيها. وَقَالَ أحمد: لا يبيع الرجل منْ الشبهة، ولا يشتري الثوب للتجمل منْ


(١) ذكره الهيثميّ فِي "مجمع الزوائد" ٤/ ٧٦ - ٧٧ وَقَالَ: رواه الطبرانيّ فِي "الأوسط"، وفي "الصغير" عن ابن عمر، عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وفي إسناد "الأوسط" سعد بن زنبور، قَالَ أبو حاتم: مجهول، وإسناد "الصغير" حسن. انتهى.