للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الله فسد، وفسدت حركات الجسد بحسب فساد حركة القلب.

وروى الليث عن مجاهد، فِي قوله تعالى: {وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا} الآية [النِّساء: ٣٦] قَالَ: لا تحبوا غيري. وفي صحيح الحاكم عن عائشة رضي الله عنها، عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "الشرك أخفى منْ دبيب الذر عَلَى الصفا، فِي الليلة الظلماء، وأدناه أن تحب عَلَى شيء منْ الجور، وأن تبغض عَلَى شيء منْ العدل، وهل الدين إلا الحب والبغض؟ ".

قَالَ تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ} الآية [آل عمران: ٣١]، فهذا يدلّ عليّ أن محبّة ما يكرهه الله، وبغض ما يحبه متابعة للَّهوى، والموالاة على ذلك، والمعاداة عليه منْ الشرك الخفي، ويدل عَلَى ذلك قوله: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ}، فجعل الله علامة الصدق فِي محبته اتباع رسوله، فدل على أن المحبّة لا تتم بدون الطاعة والموافقة.

قَالَ الحسن رحمه الله: قَالَ أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: يا رسول الله، إنا نحب ربنا حبا شديدا، فأحب الله أن يجعل لحبه عَلَمًا، فأنزل الله هذه الآية: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ}، ومن هنا قَالَ الحسن: علَم أنك لن تحب الله حَتَّى تحب طاعته. وسئل ذو النون المصريّ: متى أُحِبُّ ربي؟ قَالَ: إذا كَانَ ما يبغضه عندك أَمَرَّ منْ الصبر. وَقَالَ بشر بن السري: ليس منْ أعلام الحب أن تحب ما يبغضه حبيبك. قَالَ أبو يعقوب النهرجوري: كل منْ ادعى محبّة الله عز وجل، ولم يوافق الله فِي أمره، فدعواه باطل. وَقَالَ رُوَيم: المحبّة الموافقة فِي كل الأحوال. وَقَالَ يحيي بن معاذ: ليس بصادق منْ ادعى محبّة الله، ولم يحفظ حدوده. وعن بعض السلف قَالَ: قرأت فِي بعض الكتب السالفة: منْ أحب الله لم يكن عنده شيء آثر منْ مرضاته، ومن أحب الدنيا لم يكن عنده شيء آثر منْ هوى نفسه.

وفي "السنن" عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "منْ أعطى لله، ومنع لله، وأحب لله، وأبغض لله، فقد استكمل الإيمان".

ومعنى هَذَا أن كل حركات القلب والجوارح، إذا كانت كلها لله، فقد كمل إيمان العبد بذلك باطنا وظاهرا، ويلزم منْ صلاح حركات القلب، صلاح حركات الجوارح، فإذا كَانَ القلب صالحا ليس فيه إلا إرادة الله، وإرادة ما يريده، لم تنبعث الجوارح إلا فيما يريده الله، فسارعت إلى ما فيه رضاه، وكفّت عما يكرهه، وعما يُخشَى أن يكون مما يكرهه، وإن لم يتيقن ذلك. قَالَ الحسن رضي الله عنه: ما ضربت ببصري، ولا نطقت بلساني، ولا بَطَشت بيدي، ولا نهضت عَلَى قدمي، حَتَّى أنظر أعلى طاعة أو عَلَى معصية، فإن كانت طاعته تقدمت، وإن كانت معصية تأخرت. وَقَالَ محمد بن