للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

بحسب صلاح حركة قلبه، فإذا كَانَ قلبه سليما، ليس فيه إلا محبّة الله، ومحبة ما يحبه الله، وخشية الوقوع فيما يكرهه، صلحت حركات الجوارح كلها، ونشأ عن ذلك اجتناب المحرمات كلها، وتوقيِّ الشبهات؛ حذرا منْ الوقوع فِي المحرمات، وإن كَانَ القلب فاسدا، قد استولى عليه اتباع الهوى، وطدب ما يحبه، ولو كرهه الله، فسدت حركات الجوارح كلها، وانبعثت إلى كل المعاصي، والمشتبهات بحسب اتباع هوى القلب، ولهذا يقال: القلب ملك الأعضاء، وبقية الأعضاء جنوده، وهم مع هَذَا جنود طائعون له، منبعثون فِي طاعته، وتنفيذ أوامره، لا يخالفونه فِي شيء منْ ذلك، فإن كَانَ الملك صالحا كانت هذه الجنود صالحة، وإن كَانَ فاسدا كانت جنوده بهذه المشابهة فاسدة، ولا ينفع عند الله إلا القلب السليم، كما قَالَ تعالى: {يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (٨٨) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} [الشعراء: ٨٨ - ٨٩]، وكان النبيّ -صلى الله عليه وسلم- يقول فِي دعائه: "اللَّهم إنى أسألك قلبا سليما" (١).

فالقلب السليم: هو السالم منْ الآفات والمكروهات كلها، وهو القلب الذي ليس فيه سوى محبّة الله وخشيته، وخشية ما يباعد منه. وفي "مسند الإمام أحمد" رحمه الله تعالى، عن أنس -رضي الله عنه-، عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "لا يستقيم إيمان عبد حَتَّى يستقيم قلبه" (٢).

والمراد باستقامة إيمانه: استقامة أعمال جوارحه، فإن أعمال جوارحه، لا تستقيم إلا باستقامة القلب، ومَعْنَى استقامة القلب، أن يكون ممتلئا منْ محبّة الله تعالى، ومحبة طاعته، وكراهة معصيته. وَقَالَ الحسن لرجل: داو قلبك، فإن حاجة الله إلى العباد صلاح قلوبهم. يعني أن مراده منهم، ومطلوبه صلاح قلوبهم، فلا صلاح للقلوب حَتَّى يستقر فيها معرفة الله وعظمته ومحبته، وخشيته، ومهابته، ورجاؤه، والتوكل عليه، ويمتلىء منْ ذلك، وهذا هو حقيقة التوحيد، وهو معنى قول: "لا إله إلا الله"، فلا صلاح للقلوب حَتَّى يكون إلهها الذي تالهه وتعرفه، وتحبه وتخشاه هو الله وحده لا شريك له، ولو كَانَ فِي السموات والأرض إله يؤله سوى الله لفسدت بذلك السموات والأرض، كما قَالَ تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} الآية [الأنبياء: ٢٢]، فعلم بذلك أنه لا صلاح للعالم العلوي والسفلي معا، حَتَّى تكون حركات أهلها كلها لله، وحركات الجسد متابعة لحركات القلب وإرادته، فإن كانت حركته وإرادته لله وحده، فقد صلح وصلحت حركات الجسد كله، وإن كانت حركة القلب وإراداته لغير


(١) حديث صحيح، تقدّم للمصنف فِي "الصلاة" رقم ١٣٠٤.
(٢) قَالَ الهيثميّ فِي "المجمع" ١/ ٥٨: فِي سنده عليّ بن مسعدة، وثقه جماعة، وضعفه آخرون.