العصير، فعيل بمعنى مفعول. قاله الفيّوميّ (عَصَرْتُهُ، فَكَتَبَ إِلَيْهِ سَعْدٌ) -رضي الله عنه- (إِذَا جَاءَك كِتَابِي هَذَا، فَاعْتَزِلْ ضَيْعَتِي) -بفتح، فسكون-: هي العَقَار، والجمع ضِياعٌ، مثلُ كلبة وكلاب، وَقَدْ يقال: ضِيَعٌ. قاله الفيّوميّ. والمراد هنا كرومه المذكورة (فَوَاللهِ لَا أَئْتَمِنُكَ عَلَى شَيْءٍ بَعْدَهُ أَبَدًا) أي بعد ما قلته منْ اتخاذ العصير (فَعَزَلَهُ) بفتح الزاي، أي أخرجه عن عمله، قَالَ الفيّوميّ: عَزَلتُ الشيء عن غيره عزلاً منْ باب ضرب: إذا نحّيته، ومنه عزلت النائب، كالوكيل: إذا أخرجته عما كَانَ له منْ الحكم. (عَنْ ضَيْعَتِهِ) أي عن القيام بخدمة كرومه. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسائل تتعلّق بهذا الْحَدِيث:
(المسألة الأولى): فِي درجته:
حديث سعد رضي الله تعالى عنه هَذَا موقوف صحيح، وهو منْ أفراد المصنّف رحمه الله تعالى، أخرجه هنا ٥٢/ ٥٧١٥ - وفي "الكبرى" ٥٣/ ٥٢٢٢. والله تعالى أعلم.
(المسألة الثانية): فِي فوائده:
(منها): ما ترجم له المصنّف رحمه الله تعالى، وهو بيان كراهية بيع العصير؛ خوفًا منْ أن يُتخذ خمرًا. (ومنها): ما كَانَ عليه سعد بن أبي وقّاص -رضي الله عنه- منْ كمال الورع والتقوى، فإن الذي طلبه منه الأمين منْ عصر العنب، ليس محرّمًا، وإنما خشي منه أن يتوصّل منه بعض منْ يشتريه إلى اتخاذه خمرًا، فرحم الله منْ يطلب براءة ذمته، ويبغي بذلك ما عند الله تعالى. (ومنها): أنه يحرم بيع العنب لمن يتخذه خمرًا، وفيه اختلاف بين العلماء، وهذا هو الأرجح، كما سيأتي فِي المسألة التالية، إن شاء الله تعالى. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الثالثة): فِي اختلاف أهل العلم فِي حكم بيع العصير، أو الزبيب، ونحوه لمن يتّخذه خمرًا:
قَالَ الموفّق رحمه الله تعالى: بيع العصير لمن يعتقد أنه يتخذه خمرا محرم، وكرهه الشافعيّ، وذكر بعض أصحابه، أن البائع إذا اعتقد أنه يعصرها خمرا فهو محرم، وإنما يكره إذا شك فيه. وحكى ابن المنذر عن الحسن، وعطاء، والثوري، أنه لا بأس ببيع التمر لمن يتخذه مسكرا، قَالَ الثوري: بيع الحلال ممن شئت، واحتَجّ لهم بقول الله تعالى:{وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ}[البقرة: ٢٧٥]، ولأن البيع تم بأركانه وشروطه. قَالَ: ولنا قول الله تعالى: {وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}[المائدة: ٢]، وهذا نهي يقتضي