للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قَالَ: قيل: لأحمد: رجل مات، وخلّف جارية مغنية، وولدا يتيما، وَقَدْ احتاج إلى بيعها، قَالَ: يبيعها عَلَى أنها ساذجة، فقيل له: فإنها تساوي ثلاثين ألف درهم، فإذا بيعت ساذجة تساوي عشرين دينارا، قَالَ: لا تباع إلا عَلَى أنها ساذجة، ووجه ذلك ما رَوَى أبو أمامة -رضي الله عنه- عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، أنه قَالَ: "لا يجوز بيع المغنيات، ولا أثمانهن، ولا كسبهن"، قَالَ الترمذيّ: هَذَا لا نعرفه إلا منْ حديث عليّ بن زيد، وَقَدْ تكلم فيه أهل العلم، ورواه ابن ماجه.

وهذا يُحمل عَلَى بيعهن لأجل الغناء، فأما ماليتهن الحاصلة بغير الغناء فلا تبطل، كما أن العصير لا يحرم بيعه لغير الخمر؛ لصلاحيته للخمر. انتهى كلام ابن قدامة رحمه الله تعالى "المغني" ٦/ ٣١٧ - ٣٢٠.

قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: قد تبيّن بما تقدّم منْ الأدلة أن أرجح الأقوال هو قول الإمام أحمد رحمه الله تعالى، ومن قَالَ به منْ أنه يحرم بيع العصير لمن عرف أنه يتخذه خمرًا، وكذلك بيع كل ما يعلم أن غرض المشتري منه إقامة المعصية به. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

(المسألة الرابعة): قد ورد النهي عن تسمية العنب كرمًا، قَالَ الإمام البخاريّ رحمه الله تعالى فِي "صحيحه":

"باب قول النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: إنما الكرم قلب المؤمن"، وَقَدْ قَالَ: "إنما المفلس الذي يفلس يوم القيامة"، كقوله: "إنما الصُّرَعة الذي يملك نفسه عند الغضب"، كقوله: "لا مَلِك إلا الله، فوصفه بانتهاء الملك"، ثم ذكر الملوك أيضًا، فَقَالَ: {إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا} [النمل: ٣٤]. ثم أخرج بسنده عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قَالَ: قَالَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ويقولون: الكرم، إنما الكرم قلب المؤمن".

قَالَ فِي "الفتح": غرض البخاريّ أن الحصر ليس عَلَى ظاهره، وإنما المعنى أن الأحق باسم الكرم قلب المؤمن، ولم يُرد أن غيره لا يسمى كرما، كما أن المراد بقوله: إنما المفلس منْ ذكر، ولم يُرد أن منْ يفلس فِي الدنيا لا يسمى مفلسا، وبقوله: إنما الصرعة كذلك، وكذا قوله: لا ملك إلا الله، لم يرد أنه لا يجوز أن يسمى غيره ملكا، وإنما أراد الملك الحقيقي، وإن سمي غيره ملكا، واستشهد لذلك بقوله تعالى: {إِنَّ الْمُلُوكَ}، وفي القرآن منْ ذلك عدة أمثلة، كقوله تعالى: {وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ} [يوسف: ٥٠]، فِي صاحب يوسف وغيره. وأشار ابن بطال إلى أنه يؤخذ منْ ذلك ترك المبالغة والإغراق فِي الوصف، إذا كَانَ الموصوف لا يستحق ذلك.

وقوله: "ويقولون: الكرم، إنما الكرم قلب المؤمن"، وفي رواية: "لا تسموا العنب