للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

كرما وفي رواية مسلم: "لا يقل أحدكم للعنب: الكرم، إنما الكرم الرجل المسلم وله منْ حديث وائل بن حجر: "لا تقولوا: الكرم، ولكن قولوا: العنب، والحبلة".

وأخرج الطبراني والبزار، منْ حديث سمرة رفعه: "إن اسم الرجل المؤمن فِي الكتب الكرم، منْ أجل ما أكرمه الله عليّ الخليقة، وإنكم تدعون الحائط منْ العنب الكرم … " الْحَدِيث.

قَالَ الخطّابيّ: ما ملخصه: إن المراد بالنهي تأكيد تحريم الخمر بمحو اسمهال، ولأن فِي تبقية هَذَا الاسم لها تقريرا لما كانوا يتوهمونه منْ تكرم شاربها، فنهى عن تسميتها كرما، وَقَالَ: "إنما الكرم قلب المؤمن"؛ لما فيه منْ نور الإيمان، وهدى الإسلام. وحكى ابن بطال عن ابن الأنباري: أنهم سموا العنب كرما؛ لأن الخمر المتخذة منه تحث عَلَى السخاء، وتأمر بمكارم الأخلاق، حَتَّى قَالَ شاعرهم:

وَالْخَمْرُ مُشْتَقَّةُ الْمَعْنَى مِنَ الْكَرَمِ

وَقَالَ آخر:

شُقِقْتُ مِنَ الصِّبِيِّ وَاشْتُقَّ مِنِّي … كَمَا اشْتُقَّتْ مِنَ الْكَرَمِ الْكُرُومُ

فلذلك نُهي عن تسمية العنب بالكرم، حَتَّى لا يسموا أصل الخمر باسم مأخوذ منْ الكرَم، وجعل المؤمن الذي يتقي شربها، ويرى الكرَم فِي تركها أحق بهذا الاسم. انتهى.

وأما قول الأزهري: سمي العنب كرما؛ لأنه ذلل لقاطفه، وليس فيه سلاء يعقر جانيه، ويحمل الأصل منه مثل ما تحمل النخلة فأكثر، وكل شيء كثر فقد كرم، فهو صحيح أيضًا منْ حيث الاشتقاق، لكن المعنى الأول أنسب للنهي.

وَقَالَ النوويّ: النهي فِي هَذَا الْحَدِيث عن تسمية العنب كرما، وعن تسمية شجرها أيضاً للكراهية. وحكى القرطبيّ عن المازري أن السبب في النهي، أنه لما حرمت عليهم الخمر، وكانت طباعهم تحثهم عَلَى الكرم، كره -صلى الله عليه وسلم- أن يسمى هَذَا الْمُحَرَّم باسم تهيج طباعهم إليه عند ذكره، فيكون ذلك كالمحرك لهم.

وتعقبه بأن محل النهي إنما هو تسمية العنب كرما، وليست العنبة محرمة، والخمر لا تسمى عنبة، بل العنب قد يسمى خمرا باسم ما يئول إليه. قَالَ الحافظ: والذي قاله المازرى موجه؛ لأنه يحمل عَلَى إرادة حسم المادة، بترك تسمية أصل الخمر بهذا الاسم الحسن، ولذلك ورد النهي تارة عن العنب، وتارة عن شجرة العنب، فيكون التنفير بطريق الفحوى؛ لأنه إذا نُهى عن تسمية ما هو حلال فِي الحال بالاسم الحسن؛ لما يحصل منه بالقوة مما يُنهى عنه، فلأن ينهى عن تسمية ما ينهى عنه بالاسم الحسن