والجملة مستأنفة استئنافًا بيانيًّا، وهو ما وقع جوابًا عن سؤال مقدّر، فكأن قائلاً قَالَ له: ما فُعل به؟ فأجاب بأنه أُهريق.
وهذه الرواية فيها أنه فِي مساء الثالثة إذا فضل شيء لم يشربوه، بل يصب، وفي الرواية الآتية أنه "إذا كَانَ منْ آخر الثالثة سقاه، أو شربه، فإن أصبح منه شيء أهراقه"، فهذا يدلّ عَلَى أنهم يشربونه فِي مساء الثالث، وإنما يصبونه فِي صباح الرابع، ويجمع بأنه تارة يشربونه، حيث لا يظهر عليه أثر تغيّر، وتارة يهرقونه حيث يظهر فيه شيء منْ التغيّر.
وَقَالَ النوويّ رحمه الله تعالى: عند قوله: "سقاه الخادم، أو صبه": معناه تارة يسقيه الخادم، وتارة يصبّه، وذلك الاختلاف لاختلاف حال النبيذ، فإن كَانَ لم يظهر فيه تغيّر ونحوه منْ مبادىء الإسكار سقاه الخادم، ولا يُريقه؛ لأنه مال تحرم إضاعته، ويترك شربه تنزّهًا، وإن كَانَ قد ظهر فيه شيء منْ مبادىء الإسكار، والتغيّر أراقه؛ لأنه إذا أسكر صار محرّما، ونجسًا، فيراق، ولا يسقيه الخادم؛ لأن المسكر لا يجوز سقيه الخادم، كما لا يجوز شربه. وأما شربه -صلى الله عليه وسلم- قبل الثلاث، فكان حيث لا تغيّر، ولا مبادىء تغيّر، ولا شك أصلًا. والله أعلم. انتهى "شرح مسلم" ١٣/ ١٧٤. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسائل تتعلّق بهذا الْحَدِيث:
(المسألة الأولى): فِي درجته:
حديث ابن عبّاس رضي الله تعالى عنهما هَذَا أخرجه مسلم.
(المسألة الثانية): فِي بيان مواضع ذكر المصنّف له، وفيمن أخرجه معه:
أخرجه هنا -٥٥/ ٥٧٣٩ و٥٧٤٠ و٥٧٤١ - وفي "الكبرى" ٥٦/ ٥٢٤٦ و٥٢٤٧ و٥٢٤٨. وأخرجه (م) فِي "الأشربة" ٢٠٠٤ (د) فِي "الأشربة" ٣٧١٣ (ق) فِي "الأشربة" ٣٣٩٩. (أحمد) فِي "مسند بني هاشم" ٢٠٦٩. والله تعالى أعلم.
(المسألة الثالثة): فِي فوائده:
(منها): ما ترجم له المصنّف رحمه الله تعالى، وهو بيان الشراب الذي يجوز شربه، وهو ما كَانَ منْ النبيذ إلى ثلاثة أيام. (ومنها): ما قاله النوويّ رحمه الله تعالى: فِي هذه الأحاديث دلالة عَلَى جواز الانتباذ، وجواز شرب النبيذ ما دام حلوًا، لم يتغير، ولم يَغْلِ، وهذا جائز بإجماع الأمة. وأما سقيه الخادم بعد الثلاث، وصبه، فلأنه لا يؤمن بعد الثلاث تغيّره، وكان النبيّ -صلى الله عليه وسلم- يتنزّه عنه بعد الثلاث. انتهى "شرح مسلم" ١٣/ ١٧٣ - ١٧٤.